السبت، 11 أغسطس 2012

فن الكوميديا بين الابتذال والنقد الاجتماعى

بقلم: د/ إبراهيم حجاج مدرس  بكلية الآداب ... قسم الدراسات المسرحية 

ترسخ فى ذهن البعض أن فن الكوميديا، وما يصاحبه من ضحك وهزل ـ قد يتجاوز حد المألوف ـ عادة ما ينظر إليه نظرة دونية لا ترقى لنظرتنا للأعمال التراجيدية الجادة. وقد ساد هذا المفهوم ميدان المسرح منذ الإغريق القدامى، مرورا بالعصور الوسطى، وصولا إلى عصر النهضة، "حيث هاجم النقاد الكتاب التراجيديين الذين أدخلوا فى مسرحياتهم عنصر الفكاهة من أمثال "شكسبير" الذى اعتاد تقديم المهرجين والمضحكين والمواقف الكوميدية فى مآسية من أمثال "هاملت" و "الملك لير" و "ومكبث" وغيرها، وكانت حجتهم فى ذلك أنه أفسد العنصر المأساوى، وأضاع نقاءه وسموه، وبذلك هبط بمسرحيته من سماء التراجيديا الرفيعة"([1]) والواقع أن تلك نظرة ضيقة بكل المعانى، بل خطأ توارثته بعض الأجيال الباحثة، حيث اختلطت الأوراق بين الكوميديا المبتذلة "التى تقترن عادة بالإسفاف فى الحوار والخروج عن اللياقة، أو العدوان على بعض القيم الخلقية التى يعيشها المجتمع وبين الكوميديا التى تجمع بين الهدف والتسلية، وتتعرض إلى نقد سلوكيات الفرد والمجتمع بهدف تغييرها إلى الأفضل."([2]) وبذلك يختلف مغزى الكوميديا عما يعتقده البعض، إذ إن مغزاها ليس دغدغة حواس المشاهد، ودفعه للانفجار فى الضحك، بل هى فن راق "له مغزى جماعى ينشد تصوير الأخطاء الاجتماعية كلها ، ويحاول أن يصححها من أجل استمرار بقاء المجتمع."([3]) وهى كما قال شيشرون"(*) Cicero )106- 43 ق.م) فى عبارة كثيرًا ما اقتبست، "تقليد للحياة، ومرآة لما هو عار، وصورة للحقيقة" ([4])
وقد عبر "محمد عنانى" عن مفهوم الكوميديا وأضاف مغزى جديدًا لها بقوله "ليست الكوميديا على الإطلاق مسرحية تثير الضحكات، ولو كانت تثير الضحكات بالفعل. وليست التراجيديا مسرحية تبعث على البكاء، ولو أبكتنا. إذ أن الكوميديا تعتمد فى جوهرها على إمكانية التوفيق بين العناصر المتضاربة أو المتناقضة لحياة الإنسان، ولذلك فهى دائمًا ما تبقى على التصالح والأمل والهناء مهما حدث من تصارع بين القوى التى تشترك فى الحدث الدرامى، ومن ثم فهى احتفال بالإنسان، وبالسعادة، وإعراب عن فرحة الحياة وانتصار على قوى الدمار والموت، وهذا كان منشأ الدراما نفسها فى الحقيقة."([5])
وتكمن المعادلة الصعبة فى كيفية مزج الكوميديا بالتراجيديا، بحيث توظف الفكاهة، بشكل لا تفقد فيه المسرحية جديتها ووقارها وهدفها الاجتماعى من أجل تقديم تكثيف درامى للإنسان، وعالمه المتشعب الذى يحمل فى طياته، ما يضحك وما يبكى.


([1]نبيل راغب: مسرح التحولات الاجتماعية فى الستينات، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1990، ص113.
([2])  عبد القادر القط: قضايا ومواقف، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، 1971، ص 193، 194.
([3]أحمد صقر: دراسات فى المسرح العربى الكوميدى المعاصر، مركز اسكندرية للكتاب، الإسكندرية، 1999، ص37.
(*)  شيشرون: كاتب رومانى وخطيب روما المميز.
([4]مقتبس فى: أمير سلامة: الكوميديا والمسرح المصرى المعاصر (1975 ـ 2000)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة،2001، ص14.
([5])  محمد عنانى: فن الكوميديا، مكتبة الأنجلو، القاهرة، 1980، ص49، 50.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق