السبت، 15 أكتوبر 2011

الدليل على وجود الله (كتاب الشيخ الشعراوى)


الدليل على وجود الله (كتاب الشيخ الشعراوى)

ان قضية الخلق محسومة لله تعالى لا يقبل فيها جدل عقلي، فاذا جاء بعض الناس وقالوا: ان هذا الكون خلق بالمصادفة، نقل: ان المصادفة لا تنشئ نظاما دقيقا كنظام الكون، لا يختل رغم مرور ملايين السنين.
واذا جاء بعض العلماء ليدعي أنه كانت هناك ذرات ساكنة ثم تحركت وتكثفت واتحدت!!. نقول: من الذي أوجد هذه الذرات، ومن الذي حرّكها من السكون؟
واذا قيل ان الحياة بدأت بخلية واحدة من الماء نتيجة تفاعلات كيمياوية، نقول: من الذي أوجد هذه التفاعلات لتصنع هذه الخلية؟
ونحن لن ندخل مع هؤلاء في جدل عقيم، وانما نقول لهم: ان من اعجاز الخالق، أنه أنبأنا بمجيئهم قبل أن يأتوا، وأنبأنا أكثر من ذلك أن هؤلاء يضلون، أي ليسوا على حق، ولكنهم على ضلال، وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:{ ما أشهدتم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذين المضلين عضدا} الكهف 51.
وهكذا نرى من يأتي ليضل الناس بنظريات كاذبة عن أصل خلق السموات والأرض، وأصل خلق الانسان، ومن يدعي أن أصل الانسان قرد، وهي نظرية يملؤها الغباء، فنحن لم نشهد قردا يتحول انسانا، واذا كان أصل الانسان قردا، فلماذا بقيت القرود على حالها حتى الآن ولم تتحول الى بشر؟! ومن الذي منعها أن يحدث لها هذا التحول ما دام قد حدث في الماضي؟! ولقد نسي هؤلاء أن الوجود لا بدّ أن يكون من ذكر وأنثى والا انقرض النوع، وهؤلاء يقولون لنا عندما ادعوا أن قردا تحوّل انسانا، من أين جاء القرد الذي تحول الى امرأة ليتم التكاثر!!
وبدون الدخول في جدل لا يفيد، نقول لهولاء جميعا: لقد جئتم مثبتين لكلام الله، فلو أنه لم يأت من يضل بنظريات كاذبة في خلق لبسموات والأرض وفي خلق الانسان، لقلنا: ان الله تعالى قد أخبرنا في القرآن الكريم، أنه سيأتي من يضل في خلق السموات والأرض وفي خلق الانسان، ولكن لم يأت أحد يفعل ذلك، ولكن كونهم جاءوا وكونهم أضلوا يجعلنا نقول: سبحانه ربنا:، لقد أخبرنا عن المضلين وجاءوا فعلا بعد قرون كثيرة من نزول القرآن، فكأن هؤلاء الذين جاءوا ليحاربوا قضية الايمان، قد أثبتوها وأقاموا الدليل عليها.
على أننا نقول لكل من جاء يتحدث عن خلق السموات والأرض وخلق الانسان مدعيا أن الله ليس هو الخالق، نقول له: أشهدت الخلق؟ فاذا قال لا، نسأله ففيم تجادل.

على أن قضية الخلق محسومة لله سبحانه وتعالى لأنه هو وحده سبحانه الذي قال انه خلق، ولم يأت أحد ولن يجروء أحد على أن يدّعي أنه الخالق.
واذا كان من يفعل شيئا يحرص على الاعلان عما فعل، فلا يوجد شيء صغير اخترعه البشر في الدنيا، الا وحرص صاحبه على الاعلان عن نفسه.

فاذا كان الذي اخترع المصباح قد حرص أن يعرف العالم كله اسمه وتاريخه وقصة اختراعه، أيكون الذي أوجد الشمس غافلا عن أن يخبرنا أنه هو الذي خلقها، واذا كانت هناك قوة أخرى قد أوجدت أفلا تعلن عن نفسها؟.

اذن فقضية الخلق محسومة لله سبحانه وتعالى، لأنه سبحانه وحده الذي قال انه خلق، حتى يأتي من يدّعي الخلق، ولن يأتي، فان الله سبحانه وتعالى هو وحده الخالق بلا جدال، وحتى الكفار لم يستطيعوا أن يجادلوا في هذه القضية، ولذلك يأتي القرآن في سورة العنكبوت فيقول:{ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله، فأنّى يؤفكون} العنكبوت 61.
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى:{ ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله} العنكبوت 63.
وهذه الآيات نزلت في الكافرين والمشركين، وهم رغم كفرهم واشراكهم لم يستطيعوا أن يجادلوا في خلق الكون والانسان.
اذن فقضية الخلق محسومة لله، لأنه سبحانه وتعالى هو الذي خلق، وهو الذي أخبرنا بانه هو الذي خلق.

ولكن القضية لا تقف عند الكون وحده، بل تمتد الى كل ما في الدنيا حتى تلك الأشياء التي يقدر عليها الانسان، فأصل الوجود بكل ما فيه من خلق الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى يقول:{ ذلكم الله ربكم، لا اله الا هو خالق كل شيء فاعبدوه، وهو على كل شيء وكيل} الأنعام 102.
وما دام الحق سبحانه وتعالى قد قال أنه { خالق كل شيئ} فما من شيء في هذا الوجود الا هو خالقه.

ولنأخذ هذه القضية في كل ما حولنا، في كل هذا الكون، لنأخذ مثلا الخشب، شجرة الخشب التي تعطينا كل الأخشاب التي نستعملها في بيوتنا وأثاثنا الى غير ذلك، هذه الشجرة من أين جاءت؟ تسأل تاجر الخشب من أين جاءت؟ يقول من السويد، وتسأل أهل السويد يقولون من الغابات، وتذهب الى الغابة فيقولون لك من شتلات نعدها، وتسال من أين جاءت هذه الشتلات؟ من جيل سابق من الأشجار، والجيل السابق من جيل سبقه،، وتظل تمضي حتى تصل الى الشجرة الأولى التي أخذ منها كل هذا، من الذي أوجد الشجرة الأولى؟ انه الله، فلا أحد يستطيع أن يدعي أنه خلق الشجرة الأولى أو أوجدها من العدم.
فاذا انتقلنا الى باقي أنواع الزرع لنبحث عن التفاحة الأولى والبرتقالة الأولى، والتمرة الأولى، وحبة القمح الأولى، وشجرة القطن الأولى، نجد أنها وغيرها من كل ما تنتجه الأرض، كلها من خلق الله خلقا مباشرا، ثم بعد ذلك استمر وجودها بالأسباب التي خلقها الله في الكون.

قد يقال: ان هناك تهجينا وتحسينا وخلطا بين الأنواع لتنتج نوعا أكثر جودة، نقول: ان هذا كله لا ينفي أن الثمرة الأولى مخلوقا مباشرا من الله، وقد يدعي بعض العلماء أنهم حسنوا أو استنبطوا نوعا جديدا، نقول لهم: كل هذا لا ينفي أن الوجود الأول من الله، وأنهم استخدموا ما خلق الله بالعلم المتاح من الله في كلما فعلوه، ولكن أحدا لا يستطيع أن يدّعي أنه أوجد أي شيء في الأرض من العدم، فكل هذه الاكتشافات العلمية هي من موجود، ولا يوجد اكتشاف علمي واحد من عدم. فكل هذه الاكتشافات العلمية من موجود، ولا يوجد اكتشاف علمي واحد من العدم.
واذا انتقلنا من النبات الى الحيوان، نجد أن كل الحيوانات والطيور والحشرات بدأت بخلق من الله سبحانه وتعالى، وبخلق من ذكر وأنثى، وهذه هي بداية الخلق جميعا، ولا يستطيع أحد أن يدّعي أن خلق من عدم ذكر أو أنثى، وهذه هي بداية الخلق جميعا، ولا يستطيع أحد أن يدّعي أنه أنه خلق من عدم ذكر أو أنثى من أي نوع من النبات أو الحيوان، والله سبحانه وتعالى يلفتنا في القرآن فيقول:{ ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكّرون} الذاريات 49.

التحدي الالهي في الخلق

اننا نريدهم، ونحن نتحدى علماء الدنيا كلها، أن ياتي عالم فيقول لنا انه أوجد من العدم، أو أنه خلق ذكرا أو أنثى من أي شيء موجود في هذا الكون، وما أكثر الموجودات في كون الله، وهنا تأتي الحقيقة القرآنية تتحدى في قوله تعالى:{ يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له، ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له، وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه، ضعف الطالب والمطلوب} الحج 73.
هذا هو التحدي الالهي الذي سيبقى قائما حتى يوم القيامة، فلن يستطيع علماء الدنيا ولو اجتمعوا أن يخلقوا ذبابة.

ولقد وصل الانسان الى القمر، وقد يصل الى المريخ، وقد يتجاوز ذلك ولكنه سيظل عاجزا عن خلق ذباب مهما كشف الله له من العلم، فلن يعطيه القدرة على خلق ذبابة، وهذا من اعجاز الله، لأنه وحده الذي خلق كل شيء، والعلم كاشف لقدرات الله في الأرض، ولكنه ليس موجدا لشيء، ولذلك يقول القرآن الكريم:{ ذلكم الله ربكم لا اله الا هو خالق كل شيء فاعبدوه، وهو على كل شيء وكيل} الأنعام 102.
وبهذا نكون قد أثبتنا بالدليل العقلي أن الله خالق كل شيء في الدنيا، فاذا كان الله قد خلق من هم دون الانسان من نبات وجماد وحيوان فكيف بالانسان بما له من ادراكات وعقل وفكر وتمييز، ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى:{ أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} الطور 35.

واذا كان كل شيء في هذا الكون من خلق الله سبحانه وتعالى، فان قوانين اكون أيضا، تلك هي القوانين التي يسير عليها الكون هي من وضع الله سبحانه وتعالى، الا ما شاء الله أن يجعل للانسان فيه اختيار، فالقوانين التي يمضي عليها الكون هي من وضع الله، والأسباب التي تتم بها الأشياء هي من وضع الله، فالشمس والقمر والنجوم والأرض لا تتبع قوانين البشر، بل تتبع القانون اللهي، والذي خلقها وضع لها القانون الأمثل لتؤدي مهمتها في الكون.
فالشمس لها حركة كونية، ولها تحرّك آخر في فلك خلقه الله لها، وكذلك القمر وكذلك الأرض، وكذلك الرياح، والنجوم، ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:{ الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان والسماء رفعها ووضع الميزان} الرحمن 1_7.
اذن فالشمس والقمر والنجوم تتحرك بحساب دقيق فلا تتأخر الشمس عن موعد شروقها ثانية ولا تتقدم ثانية منذ ملايين السنين، وكذلك القمر في دورته الشهرية، وكذلك النجوم في حركتها، يقول الله تعالى:{ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون} يس 40.
أي أن كل هذه الأجرام لها فلك أو مسار معين تمضي فيه باذن الله. ولا تستطيع البشرية كلها أن تؤخر شروق الشمس ثانية، أو أن تقدمها ثانية، أو أن توقف دوران الأرض أو تسرع بها أو تبطئ الى غير ذلك.
اذن فثبات قوانين الكون دليل على دقة الخالق وابداعه وعظمته وقدرته، وهذا ما لا يستطيع أحد أن ينكره.


طلاقة القدرة في الكون

ولم تقف طلاقة قدرة الله في خلق الانسان عند هذا الحد، بل امتدت لتشمل كل أوجه الخلق، فألصل في الايجاد هو من ذكر وأنثى، ولكن الله سبحانه وتعالى بطلاقة قدرته خلق انسانا بدون ذكر أو أنثى وهو " آدم" عليه السلام، وخلق من ذكر بدون أنثى وهي " حواء"، خلقها من ضلع آدم عليه السلام، وخلق انسانا من انثى بدون ذكر وهو " عيسى" عليه السلام، وهذه كلها حدثت مرة واحدة لاثبات طلاقة قدرته، وهي لا تتكرر، لأنها تلفتنا الى طلاقة قدرة الله سبحانه وتعالى، وأنه ليس على قدرته قيود ولا حدود، فهو جل جلاله خالق الأسباب، وقدرته تبارك وتعالى فوق الأسباب، على أن هناك أشياء كثيرة عن طلاقة قدرة الله بالنسبة للانسان سنتحدث عنها تفصيلا في فصل قادم.

نأتي الى طلاقة قدرة الله تعالى في ظواهر الكون، لو أخذنا المطر مثلا، الله سبحانه وتعالى بأسباب الكون جعل مناطق ممطرة في الكون، ومناطق لا ينزل فيها المطر، والعلماء كشف الله لهم من علمه ما جعلهم يضعون خريطة للأسباب تحدد المناطق الممطرة وغير الممطرة.

يأتي الله سبحانه وتعالى في لفتة الى طلاقة قدرته، قتجد المناطق الممطرة لا تنزل فيها قطرة ماء وتصاب بالجدب، ويهلك الزرع والحيوان، وقد يموت الانسان عطشا، بالرغم من أن هذه المناطق كان المطر ينزل فيها وربما سار في أنهار ليروي غيرها من البلاد التي لا ينزل فيها المطر. فنجد مثلا منابع النيل التي هي مناطق غزيرة المطر، تأتي فيها سنوات جدب فلا يجد الناس الماء، ونجد بلادا كالولايات المتحدة وبلاد أوروبا يصيبها الجدب في سنوات، ولا يحدث هذا بشكل مستمر، بل في سنوات متباعدة، لو أن المطر ينزل بالأسباب وحدها ما وقع هذا الجدب في المناطق الغزيرة المطر، ولكن الله يريد أن يلفتنا الى طلاقة قدرته والى أن الماء الذي ينزل من السماء ليس خاضعا للأسباب وحدها، ولكن الي يحكمه هو طلاقة قدرة الله، حتى لا نعتقد أننا أخذنا الدنيا وملكناها بالأسباب، ولكي نعرف أن هناك طلاقة لقدرة الله سبحانه وتعالى هي التي تعطي وتمنع، وأنه جل جلاله فوق الأسباب وهو سبحانه المسبب يغيّر ويبدّل كما يشاء.

فاذا جئنا الى الزرع، ذلك الذي فيه عمل للانسان، نجد مظاهر طلاقة القدرة، فالانسان يزرع الزرع والله يعطيه كل الأسباب، الماء موجود والكيماويات متوفرة، والأرض جيّدة، ثم بعد ذلك تأتي آفة لا يعرف أحد عنها شيئا، ولا يحسب حسابها فتقضي على هذا الزرع تماما، وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:{ وأحيط بثمره فأصبح يقلّب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول ياليتني لم أشرك بربي أحدا} الكهف 42.
ونحن نعرف أن الآفات تصيب كل مكان في الأرض لا يعلو عليها علم مهما بلغ، وهكذا نعرف أن الأرض لا تعطينا الثمر بالأسباب وحدها، ولكن بقدرة الله سبحانه وتعالى التي هي فوق الأسباب، لكيلا نعبد الأسباب وننسى المسبب وهو الله تعالى.

فاذا انتقلنا الى الحيوان نجد طلاقة القدرة واضحة، فهناك من الحيوان ما تزيد قوته على الانسان مرات ومرات، ولكن الله سبحانه وتعالى قد أخضعه وذلله للانسان، فتجد الصبي الصغير يقود الجمل أو الحصان ويضربه، والجمل مثلا يستطيع أن يقضي عليه بضربة قدم واحدة ولكنه لا بفعل شيئا ويمضي ذليلا مطيعا ولا يرد على الايذاء رغم قدرته على ذلك، ونجد الكلب مثلا يحرس صاحبه ويدافع عنه لأن الله ذلله له.
فاذا جئنا الى الذئب أو الى الثعب من نفس فصيلة الكلب نجده يفترس الانسان ويقتله، ولو أن هذا التذليل للحيوان بقدرة الانسان لاستطاع كما ذلل الجمل والبقرة والكلب أن يذلل الذئب والثعلب وغيرهما من الحيوانات، ولكن الله يريد أن يلفتنا الى أن هذا التذليل بقدرته سبحانه وتعالى، ان الثعبان الصغير وهو حشرة ضئيلة الحجم يقتل الانسان، دون أن يستطيع أن يذلله، ليلفتنا الله سبحانه الى أن كل شيء بقدرته وجعل موازين القوة والضخامة تختل، حتى لا يقال ان هذا الحيوان قوي بحجمه أو بالقوة التي خلقت له، بل جعل أضعف الأشياء يمكن أن يكون قاتلا للبشر.

ثم نأتي الى الجماد، الأرض من طبيعتها ثبات قشرتها حتى يستطيع الناس أن يعيشوا عليها، ويبنوا مساكنهم، ويمارسوا حياتهم، ولو أن قشرة الأرض لم تكن ثابتة لاستحالة الحياة عليها، ولاستحالت عمارتها، والله سبحانه وتعالى يريد منا عمارة الأرض، ولذلك جعل قشرتها ثابتة صلبة، ولكن في بعض الأحيان تتحول الى عدم ثبات، فتنفجر البراكين ملقية بالحمم، وتحدث الزلازل التي تدمر كل ما على المكان الذي تقع فيه.

ويتقدم العلم ويكشف الله بعضا من علمه لبعض خلقه ما يشاء، ولكن يبقى الانسان عاجزا على أن يتنبأ بالزلازل، فيأتي الزلزال في أكثر بلاد الدنيا تقدما ليفاجئ أهلها دون أن يشعروا بقرب وقوعه، بل انه من طلاقة قدرة الله تعالى أنه أعطى بعض الحيوانات، التي ليس لها عقول تفكر، ولا علم ولا حضارة، أعطاها غريزة الاحساس بقرب وقوع الزلزال، ولذلك فهي تسارع بمغادرة المكان أو يحدث لها هياج، ان كانت محبوسة في لأقفاص أو حظائر مغلقة، وذلك ليلفتنا الله سبحانه وتعالى الى أن العلم يأتي منه سبحانه وتعالى ولا يحصل عليه الانسان بقدرته، فيعطي سبحانه من لا قدرة له على الفكر والكشف العلمي ما لا يعطيه لذلك الذي ميزه بالعقل والعلم.

لماذا؟ لنعلم أن كل شيء من الله فلا نعبد قدراتنا، ولا نقول: انتهى عصر الدين والايمان وبدأ عصر العلم، بل نلتفت الى أن الله يعطي لمن هم دوننا في الخلق علما لا نصل نحن اليه، فنعرف أن كل شيء بقدرته وحده سبحانه وتعالى.
ومظاهر طلاقة قدرة الله في الكون كثيرة، فهو وحده الذي ينصر الضعيف على القوي، وينتقم للمظلوم من الظالم، وكل ما في الكون خاضع لطلاقة قدرة الله سبحانه وتعالى، على أن طلاقة القدرة في تغيير ما هو ثابت من قوانين الكون كلها ويحدث الدمار وتنتهي الحياة.
وذلك مصداقا لقوله تعالى:{ اذا السماء انفطرت واذا الكواكب انتثرت واذا البحار فجّرت واذا القبور بعثرت علمت نفس ما قدمت واخرّت} الانفطار 1_5.

وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم، تنبئنا بما سيحدث عندما تقوم القيامة.
اذن الذين يقولون: ان عظمة الله سبحانه وتعالى في خلقه هي الثبات والدقة الت لا تتأثر بالزمن، والتي تبقى ملايين السنين دون أن تختل ولو ثانية واحدة، نقول لهم: هذه موجودة وانظروا الى القوانين الكونية ودقتها وكيف أنها لم تتأثر بالزمن.
والين يقولون: ان عظمة الحق سبحانه وتعالى في طلاقة قدرته في كونه، وألا تكون الأسباب مقيدة لقدرة الخالق والمسبب، نقول لهم: انظروا في الكون وحولكم مظاهر طلاقة القدرة، وليست هذه المظاهر مختفية أو مستورة، بل هي ظاهرة أمامنا جميعا، وليست في أحداث بعيدة عن حياتنا، بل هي تحدث لنا كل يوم.
واذا صاح انسان من قلبه: (ربنا كبير)، أو (ربنا موجود)، أو ( ربك يمهل ولا يهمل)، فمعنى ذلك أنه رأى طلاقة قدرة الله، تنصف مظلوما، أو تنتقم من ظالم، أو تنصر ضعيفا على قوي، أو تأخذ قويا وهو محاط بكل قوته الدنيوية.