الأحد، 13 نوفمبر 2011

الارهاب السياسى..جرائم الاعتداء على السلطة فى الدراما المسرحية


يستمد الإرهاب السياسى توصيفه من علاقته بالسلطة السياسية فى الدولة ، وانقسام المجتمع إلى حكام ومحكومين ، أو إلى سلطة تحكم وشعب يحكم ، وبهذا المعنى فان الإرهاب كشكل من أشكال العنف يمكن أن يمارس من السلطة السياسية الحاكمة إزاء الطبقة المحكومة ، مثلما يمكن أن يمارس من جانب تلك الأخيرة إزاء من يحكم ، " فقد يمارس الإرهاب من قبل أفراد جماعة وطنية ثائرة ضد قوات وممثلى دول أجنبية تحتل أراضيهم ، أو ضد حكم محلى استبدادى بهدف الحرية ، أو الاصلاح والتغيير ، ومع ذلك فليست جرائم الإرهاب السياسى كلها دعوة إلى الانتصار لعقيدة أو مبدأ ، والمجرم السياسى ليس دائماً شهيد التضحية والمثل العليا بحثاً للآخرين عن حياة أفضل ، بل هو أحياناً ذلك الشخص المتعطش إلى السلطة ، أو المدفوع بضغائن شخصية ، أو الباحث عن انقلاب يجنى من ورائه ثروة شخصية ، فمما لا شك فيه أن هذه الأمور جميعها أمور مجرمة قانوناً فى مختلف النظم والتشريعات .
والملاحظ أن معدلات ارتكاب جرائم التآمر على قلب نظام الحكم تزداد فى الدول غير الديمقراطية ، أو التى تمارس الديمقراطية بشكل صورى ، بينما تنخفض إلى أقصى درجة فى الدول الديمقراطية ، حيث أن وسيلة تغيير الحكومات فى هذه الدول يتم عن طريق المؤسسات الدستورية والانتخابات الحرة النزيهة . (38)
وقد كان نظام الحكم هدفاً للجريمة فى مصر لفترات متباعدة بسبب غيبة الحكم الديمقراطى ، وبسبب الصراع على السلطة ،ومحاولة الاستيلاء عليها ، وقد ارتكبت العديد من الجرائم فى محاولة للتغيير السياسى داخل الدولة .
ومن أشهرها تلك التى ظهرت فى حكم السادات نتيجة سعيه لاستغلال الجماعات الإسلامية كبديل عقائدى فى مواجهة الفكر الاشتراكى والناصرى ، فبعد انتصار 1973 وإقدام السادات على سياسات الانفتاح الاقتصادى ، والتسوية مع إسرائيل ، والانحياز إلى الغرب ، بدأت التصادمات بين هذه الجماعات ، وبين النظام الحاكم . ويتجلى هذه الصدام فى إبريل 1974 وظهور جماعة منظمة التحرير الإسلامية والتى أطلق عليها _ من كل أجهزة الإعلام _ جماعة الكلية الفنية العسكرية ، وقد سميت بهذا لأن تخطيطها للاستيلاء على السلطة يبدأ باحتلال الكلية ، والاستيلاء على مخزن الأسلحة ، ثم تنطلق بعد ذلك إلى مقر الاتحاد الاشتراكى العربى، حيث كان من المقرر أن يعقد الرئيس " السادات " وبقية الصفوة الحاكمة اجتماعاً رسمياً كبيراً ، وبالرغم من فشل هذه المحاولة فانه حدث اكثر من مواجهة عنيفة بين النظام ، وبين الجماعات الإسلامية " (39) ،الأمر الذى دفع إلى حدوث متغيرات جذرية فى طبيعة الأحداث السياسية فى مصر إبان فترة السبعينيات .
وتأكيداً لدور المسرح _ كمؤسسة تثقيفية _ فى التعبير عن هذا المتغير الجديد ، قدم الكاتب " أبو العلا السلامونى " مسرحيته " أمير الحشاشين " فى محاولة منه للكشف عن الدوافع السياسية لجرائم الاستيلاء على السلطة ، وطرق العلاج والمواجهة ، مستنداً فى بنائها إلى مقولة " ابن خلدون " التى جاءت فى مقدمته من أن " العرب أصعب الأمم انقياداً بعضهم لبعض للغلظة والأنفة ، وبعد الهمة ، والمنافسة فى الرياسة ، فقلما تجتمع أهواؤهم، ومن أجل ذلك لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبؤه أو رياسة أو أثر من دين على الجملة . " (40)
بهذه المقولة الصريحة يضع ابن خلدون يده على رأس الداء فى نظام الحكم العربى الذى لا يتم إلا بصبغة دينية على حد قوله ، ومن ثم اختلطت أوراق الدين بأوراق السلطة طوال تاريخنا منذ أن رفع الأمويون المصاحف على أسنة الرماح ، ورفع الخوارج شعار لا حكم إلا لله .. حتى آخر شعارات الإسلام السياسى الحديث عن نظرية الحاكمية وجاهلية المجتمع ، وكان هذا إيذاناً بلعبة توظيف الدين من أجل الأغراض السياسية مما أدى إلى انتكاسات حركة التطور الديمقراطى لنظم الحكم المدنى فى بلادنا .
والمسرحية محاولة تنويرية لطرح هذا المفهوم الذى ذكره " ابن خلدون " ، من خلال عرضها لقصة حب رومانسية بين الشاعر " تميم الفاطمى " الابن الأكبر للخليفة " المعز لدين الله الفاطمى " ، ومغنية الحرافيش " برديس المصرية " ، وكانت نتيجة هذا الحب إقصاء " تميم " عن ولاية العهد وإسنادها إلى أخيه الأصغر الذى قام بدوره بنفى أخيه إلى خارج البلاد ، فاستغلت بعض الفرق السياسية ومنها فرقة الحشاشين هذا الخلاف لتحقيق مطامعها فى الاستيلاء على السلطة تحت ستار الدين .
والمسرحية وان كانت تتناول موضوعاً مستمداً من التاريخ العربى إلا إنها تمكن المتلقى من مطالعة مشكلاته السياسية الحالية عبر ماض متخيل ، ليس سوى صورة منعكسة للحاضر على شاشة الخيال أو فوق خشبة المسرح فالمسرحية تتناول بالنقد عبر مستويات الدلالة ، ( ومن خلال المنظور الفكرى للمؤلف الفترة التاريخية التى شهدت بداية حكم الدولة الفاطمية ، وتدور أحداثها فى إحدى حوارى قاهرة المعز التى يخيم عليها اللون الأخضر ، وهو اللون الذى فرضه النظام الحاكم الجديد على الشعب كدلالة رمزية _ من الكاتب _ على الصبغة السياسية التى يلون بها الحاكم الجديد محكوميه وفقاً لمصالحه واتجاهاته ، والتى غالباً ما تضاد المصلحة العامة للشعب المحكوم ، الذى ينقاد مستسلماً تحت وطأة القهر والفساد . ولا يقف أمام روح السلبية والانقياد سوى " الشيخ معروف " شيخ الكتاب الذى يطارد الناس بخرزانته الرقيقة أملاً فى إفاقتهم ، وإيقاظ وعيهم بعد أن فقدوا القدرة على المواجهة والتغيير .

"معروف : والله اللى أختشوا ماتوا يا صوان .. لابس أخضر ليه ما تقوللى .. البلد
أتغير ليه لونها .. ما تفهمنى إيه اللى جرالكوا يا مصريين .. حد يكون
فاهم فيكم ينورنى ويعرفنى .

صوان : اهدى يا راجل مت جراش حاجة .. ما تغيرناش .

بشندى : إحنا يا دوبك غيرنا هدومنا وبس يا سيدنا .

معروف : طبعاً ما هو زى العادة يا بشندى .. لو تغير لون الحكام إحنا نغير فى
هدومنا قوام .. واهى دى مصيبتنا يا مصريين .. نلبس حسب الحكام أيا ً
ما يكون وبأيها لون .. حتى لو كان حاكم مجنون . " (41)

ويرتكز رفض "الشيخ معروف " للسلطة الجديدة الحاكمة على إيمانه بعدم شرعيتها ، وتشككه فى صحة نسب الدولة الفاطمية إلى السيدة فاطمة ابنه رسول الله ( صلى الله علية وسلم ) .

" صوان : .. يا راجل دول حكامنا الفاطميين من أهل البيت .

معروف : بيت مين الله يعمر بيتك .. بتصدقهم .. الفاطميين دول ملهمش أصول ..
جايين يأكلوا على حساب مساطيل واهو رزق الهبل على المهاطيل ." ( 42)

قد أعتمد " السلامونى " فى نصه على قضية خلافية قديمة ، وهى قضية التشكيك فى نسب الدولة الفاطمية .
حيث ذهب العديد من المؤرخين إلى أن الدولة الفاطمية نشأت نشأة غريبة بتونس ، واستطاع مؤسسها "المهدى" أن يقنع مريديه بأنها دولة المهدى المنتظر الذى جاء من نسل السيدة فاطمة الزهراء ، وإنه مهدى آخر الزمان ، بل وأقر بعضهم بأنه كان من أصل مجوسى أو يهودى ، ولا يمت للسيدة فاطمة بأى أصل أو نسب . بينما مال آخرون إلى تكذيب تلك الشائعة وأكدوا على أن التشكيك فى نسب الفاطميين قد جاء فى إطار المنافسة بين الشيعة والسنة ، لأن الدولة الفاطمية كانت دولة شيعية. وهو أمر معتاد فى مثل هذه الصراعات. (43)
وقد أستغل " السلامونى " هذا الطرح المتباين فى التأكيد على مقولة النص ، والإشارة إلى لعبة الحكم الذكية التى تغلفها أفكار القداسة التى هى فى حقيقتها مطامع سلطوية للحاكم ظناً منه أن الولاء والطاعة لن يتحققا دون هالة من العقائد المقدسة تحيط به فينال بها مباركة الشعب وتأييده .

"معروف : شوفوا يا حضرات .. خمسين حاكم ومتين فرقة وألف جماعة مروا علينا
والكل يقول حاكم مهدى ومن أهل البيت .. إيشى علويين وإيشى زيديين
وإيشى فاطميين وإيشى أبصر إيه وإيشى مدرك إيه .. دى حكاية معروفة
ومألوفة .. وبقت لعبة سخيفة يا حضرات .

تميم : قصدق إيه يا شيخ معروف .

معروف : قصدى يا حضرات واضح معروف .. الحاكم أيا كان علشان يضمن حكمه
وولاء الناس .. ينسب حسبه وأصوله لأهل البيت ، ودى لعبة إخوانا
الفاطميين دى الوقت"(44)

يرتكز الإطار الفكرى للنص على صيغة المشابهة والمماثلة بين الوقائع الماضية التى يتم تجسيدها ضمن أحداث المسرحية ، والوقائع التاريخية التى ترتبط بالواقع الحاضر . فالنسق الدلالى للنص المسرحى يناظر ما بين الدال التاريخى والمدلول المعاصر للتأكيد على فكرة تسييس الدين من أجل الوصول إلى السلطة ، وربطها بحاضر معاش تتخفى فيه المطامع السلطوية للجماعات الإرهابية وراء شعارات دينية براقة ، ولهذا فقد ارتكزت مقولات المسرحية أيضا على ضرورة رفض التحالف بين فئات الشعب وزعمائه وتلك السلطة غير الشرعية ، ذلك الرفض الذى يتزعمه " الشيخ معروف" إيماناً منه بأن الإصلاح والتغيير مرهون بالتثوير والمواجهة .

"صوان : اعمل معروف يا شيخ معروف للحيطة ودان .

معروف : يا راجل يا جبان .. لغاية إمتى حتفضلوا فى الخوف .. لغاية إمتى تناموا
وتأكلوا على قفاكم .. إمتى تفوقوا وأمتى حاتصحوا .. قسماً عظماً إللى
ما يصحى معاية ويفوق لا جالد مؤخرته لحد ما يصحى من النوم " (45)

ولكن الظلمة إذا ما طالت تعودتها العين فأمام حكومات البطش والقهر المتتابعة ركن الشعب إلى الاستسلام والسكينة ، فنرى الناس تقابل صرخات " الشيخ معروف " الذى يحاول أن يفتح أعينهم على أنهم أصحاب الأرض الحقيقيين بالسخرية واللامبالاة ، فالجميع ركن إلى التواكل فاستبدت الظلمة واستسلم الناس . لقد تعود الناس على السمع والطاعة وأن يتركوا لغيرهم اتخاذ القرار ، وأصبح من طبائع الأشياء فى نظرهم أن يكون هناك مصدر خارجى هو الذى تأتى منه الإجابات عن كافة الأسئلة والحلول لكل المشاكل ، فلم يكن مطلوبا من الفرد أن يسهم بفكره واجتهاده فى اتخاذ أى قرار حاسم وإن كان عليه أن يتلقى الأوامر من مصدر أعلى أليس الأجدى به أن يتلقاها ممن ينسبون أنفسهم إلى نسب شريف؟
ووسط تلك الجدلية الشائكة نرى " تميم " ، وقد تخفى ، وصاحبه "برهام" فى ثياب تاجرين غريبين أملاً فى لقاء حبيبته " برديس " والتعرف عليها بعيدا عن تأثير هيبة السلطة. ويتحقق له مأربه ، ولكن ما يلبث أن ينقض رجال الشرطة على الحى ، ويتم القبض على " تميم" وصاحبه وبرديس ، وبعض الحرافيش ، لمخالفتهم الزى الرسمى للحكم الجديد ، ومشاركتهم فى الهتاف ضد الدولة الفاطمية ونسبها المشكوك فيه . وفى السجن يتم التعرف على شخصيتهما ويأمر الخليفة "المعز " بالإفراج عنها إلا أن "تميم " يرفض أن يخرج من السجن دون "برديس "، وبقية الحرافيش ، مما يثير غضب الخليفة وزوجته التى ترى فى "تميم " صورة لأمه الجارية التى عشقها " المعز" ، وتزوجها ، لذا فهى ترى أن أبنها "العزيز " هو الأحق بالولاية فنراها تتلمس المساعى للوشاية "بتميم " والإيقاع بينه وبين أبيه .

الزوجة : الحكاية عاوزة حسم .. ابنك العربيد يحاسب ويعاقب .. يبقى عبرة
للجميع.

العزيز : ليه يا أمى .. أنتِ ناسية أنه أخويا .

الزوجة : مش أخوك .. لو تميم ده يبقى أخوك .. كان زمانه عرف يحافظ على
القواعد والأصول .. كان قدر يرعى شرفنا وسمعة الحكم فى بلادنا .. أو
ما كانش نسى أنه من أسره شريفة فاطمية .. (مستدركه) ولا على ايه ..
ليه نلومه .. وأمه أصلاً ما كنتش فاطمية .

المعز : تانى حانعيد الكلام ده يا أميره . مستحيل تفضل حكاية زى دى فكراها
وأمه ميته من عشرين سنه .

الزوجة : للأسف ابنك بيقصد ينتمى للعامة والدهماء والأصول اللى أمه طالعة من
جذورها .. هو ده أصل البلاء .. ولذلك .. بأيدك أنت يا مولاى تحل المشكلة.

المعز : حلها بأيدى أنا !

الزوجة : العزيز يبقى ولى العهد مش تميم " (46)

وتكلل مساعى الزوجة بالنجاح ، خاصة بعد تمسك تميم ببرديس ، وإعلانه عن رغبته فى الزواج منها . فقد رفض تميم كل مظاهر السلطة ، وامتيازاتها من أجل امتياز اكبر وأعظم وهو امتياز الحب ، فأعلن التحلل المطلق من كافة القيوم التى تربطه بالانتماءات الاجتماعية ، وتحدى إرادة الخليفة بل الأكثر من ذلك انحاز إلى جموع الشعب الساخطة محاولا تثويرهم ، واستنهاض هممهم لمقاومة السلطة غير الشرعية ، ولهذا وجب ردعه وحرمانه من ولاية العهد التى أسندها المعز إلى أخيه الأصغر " العزيز" .

"برديس : يا أمير .. حب مصر وشعبها لازم يكون أكبر كثير من حبنا

تميم : صعب أضحى بحبى ليك .. ده أنت أول حب صادق فى حياتى لو حاضحى
بيه صحيح يبقى أنا أنهيت حياتى .

الزوجة : ايه يا مولاى .. مهزلة وزادت كتير عن حدها .

المعز : اسمعونى كلكم .. ده قرارى وبعلنه قصاد الجميع .. العزيز ابنى حايتولى
الولاية بدل تميم .. حاجة تانية .. والكلام ليكم يا شعب مصر .. كلكم
بتشككوا فينا وفى أصولنا .. ومع ذلك اسمعوا الرد المبين .. اللى يسأل
عن حسبنا واللى يسأل عن نسبنا .. الإجابة عندى وباليقين
(يتناول كيساً من الذهب فينثره على الجميع)
ده حسبنا ، (يتقدم ويسل سيفه من غمده) وده نسبنا ." (47)

ومن لحظة إقصاء تميم عن الولاية يبدأ صديقه برهام فى نسج خيوط المؤامرة التى تحمل فى ظاهرها النوايا الحسنة الطيبة ، وفى باطنها الغدر والطمع . فقد أبى برهام إلا أن يقف بجوار صديق عمره ليسترد له حقه فى الولاية حتى وان كلفه الأمر قلب نظام الدولة رأساً على عقب ، ويرى تميم فى ذلك إخلاصاً ووفاءً من صديق لصديقه ، فشاعرية تميم وذاتيته حالا دون كشف اللعبة القذرة التى يرسى برهام قواعدها.

" برهام : ما تخافوش .. عندى خطة .. حط ثقتك فيه يا مولاى تميم مش حاتندم
.... القضية مش حاتبقى قضيتك .. بل حتبقى قضيتى .. وان عارف فين
طريقى ومين حايضمن سكتى

تميم : يعنى ناوى تعلن العصيان وتخرج ع الخلافة الفاطمية ؟

برهام : المهم الحق يرجعلك وترجع لك خلافتك يا أمير

معروف : يا ترى حاتكون مقولتك ايه يا برهام ؟

برهام : لعبة الإرهاب وتكفير النظام

برديس : أنت فاكر ايه يا برهام .. ده أنت حاتواجه بدولة وجيش وسلطة .. أنت
مش قد الصدام

برهام : اطمنى يا ست برديس .. خطتى دى ولعبتى .. حاقلب الدولة واخلى
عاليها واطيها واقلبها على الجنبين شمال ويمين .. زى سمكة بتتشوى
على نار قايدة ولا البركان .. لحد ما تسقط الدولة فى أيد مولاى تميم "(48)

وتتوالى الأحداث ، ويموت الخليفة "المعز" ويعتلى ابنه "العزيز" العرش ، بينما يتحصن برهام" فى إحدى قلاع الجبل ، بعد أن ينجح فى استقطاب قطاعات كبيرة من الحرافيش الذين يتبنون نوعاً من الأيديولوجية المضادة للقيم والمعايير الاجتماعية ، ويقوم بتشكيلهم تنظيمياً فى مجموعات صغيرة تدين بالولاء والطاعة لقائدها الذى ينمى فيها نوازع التمرد على السلطة الحاكمة .

"برهام : (يقف خطيباً) يا اخوانى .. حمدا لله على أنا وفقنا فى الهجرة من ارض
الكفرة ارض العصيان .. لنكون هنا فى ارض الهجرة والإيمان .. الهجرة
يا إخوان .. هى أول رحلتنا لكن العودة آخرها .. وما بين الهجرة والعودة
سيكون لدينا الوقت لنشحذ همتنا وعزيمتنا .. ونعد العدة والقوة لنواجه
من كانوا سبباً فى هجرتنا .. ونطهر أرضاً عاثوا فيها فساداً وفسوقاً
ونخلصهم من حكم الطاغوت الكافر وتراث المجتمع الفاجر "(49)

تكتسب أحداث المسرحية شكلاً درامياً يعكس منظوراً معاصراً ، ورؤية سياسية حاضرة، فقد نجح السلامونى فى عقد مقابلة نقدية ما بين مغلفات الماضى ومفرزات الحاضر ، حيث تشير وقائع المسرحية إلى أزمة حقيقية من أزمات مجتمعنا المصرى فترة السبعينيات وتتناول بالنقد عبر سلسلة من الإسقاطات تلك الفترة التاريخية التى شهدت العديد من الجرائم الإرهابية التى استهدفت الاستيلاء على السلطة ، والوصول إلى الحكم ، فيستعرض من خلال عصابة برهام مبادئ جماعات التطرف الدينى التى ظهرت على الساحة إبان فترة حكم السادات ، والتى ارتكزت على وصف المجتمع بالجاهلية والكفر ، "والاعتقاد بان المسلمين جميعاً قد ارتدوا كفاراً لأنمه يحكمون بغير ما أنزل الله ، وانهم قد رضوا بذلك ولم يعملوا على تغييره ، وذلك استناداً إلى الآية الكريمة (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدون فى أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) (سورة النساء، الآية 65)

كما يبرز دعوة تلك الجماعات إلى ضرورة العزلة عن المجتمع ، حيث تأخذ قضية العزلة فى نهج فكرها المتطرف صوراً مختلفة فتكتفى جماعات باعتزال المجتمع ومفاضلته شعورياً لتجنب المنكرات ، بينما تنادى جماعات أخرى بالهجرة المادية ولو إلى الكهوف والجبال . " (50) حيث يذهب أصحاب الاتجاه الأخير إلى أن الجماعة الإسلامية مستضعفة ، ولم تقو شوكتها بعد، ويؤمنون بضرورة الإعداد والتدريب الجيد على القتال حتى يستطيعون فى النهاية غزو المجتمع الجاهلى من خارجه ، وقد انتهج "برهام" فى نص "السلامونى" ذلك الفكر حيث قرن العنف بالإيمان بل اكثر من ذلك قرنه أيضاً بفكرة التكفير ، فهو يؤمن بان عدم الاعتراف المطلق بالدولة الكافرة القائمة يستبيح إزالتها بأى صورة من صور العنف والإرهاب.
كما يشير الكاتب إلى أيديولوجية الطاعة العمياء لأمير الجماعة ، والتى تستند إلى التبعية المطلقة دون توقف أو تراجع أو تساؤل.

"معروف : جرى ايه يا برهام .. مش قلت انك حاتبطلهم شغل التحشيش .. ده بدل ما
تقول نفتح كتاب .. تفتح غرزة.

برهام : على مهلك بس يا شيخ معروف .. أفهمنى أمال ما هو ده الكتاب

معروف : بتقول كتاب .. كتاب بتعلم فيه فن التحشيش ؟

برهام : لو تفهمنى تعرف غرضى .. التحشيش ده وسيلة تدريس زى الكتاب ..
منهج ترويض .. أسلوب تدريب

معروف : حاجة عظيمة .. تدريب على ايه .. على غسل أمخاخهم وعقولهم ..
تدريب ازاى يلغوا التفكير

برهام : لا يا صديقى وأنت الصادق .. تدريب ع الطاعة بدون تفكير .. هو أنت
نسيت .. طاعة عمياء خرساء بكماء .. يعنى أجازه من التفكير "(51)

وقد جنح الكاتب إلى تأكيد المشابهة بين ظاهرتى الإدمان والإرهاب – كما فعل سلماوى فى نص الجنزير – إيماناً منه بتوحد الظاهرتين فى الاعتماد على تغييب الوعى لتحقيق أهدافهما فى الحصول على واقع أفضل .
وقد اعتمد برهام فى محاولته لقلب نظام الحكم على عنصرى الدعاية المضادة ، والتنظيم المسلح ،" فجريمة الاعتداء على السلطة هى ولدية عصر ملىء بالتغيرات والأزمات ، وصراع الأفكار ، وفيه لا يمكن النظر إلى هذه النوعية من الجرائم دون أن نأخذ فى الاعتبار قضية الشرعية الدستورية كأساس للسلطة ، حيث لا يمكن الخروج على هذه الأخيرة بطريق العنف مهما كانت مدى مشروعية مطالب المجرم السياسى المعتدى "(52)
وقد استوعب برهام هذا الدرس فبدأ بالدعاية المضادة ، والتشكيك فى أصول نسب الحكم الفاطمى ، واتهامه بالزيف والضلال .

واستكمالاً لمسلسل الدعاية القائم على تهديد النظام الحاكم بترويج فكر مناهض للسلطة، واستغلال المشاعر الدينية للشعب فى تنظير الرفض لما هو قائم ، والحلم بما يجب أن يكون. يتنكر "برهام" فى زى عابد زاهد من أهل برهامستان ، جاء ليقص على الشعب المصرى رؤياه، فيصنع من "تميم" مهدى منتظر ، منوط من قبل الله بتخليص البلاد من شرور الكفر والضلال . وينقاد الشعب المستكين ثانية وراء وهم الدعايات الدينية المزيفة .

"برهام : أن الحكم لديكم لم يلتزم بحكم الشرع .. والهاتف حين أتانى أخبرنى أن
المهدى المنتظر لهذا المجتمع المحكوم بلا شرع هو شخص يدعى تميم ..
هو من جاء يطبق أحكام الشرع . ولذلك يا إخوان جئت أحذركم إذ سوف
يظل المجتمع لديكم فى كفر وضلال .. ما لم يحكمه المهدى المنتظر تميم
الآتى كى ينقذكم من هذا الكفر البين والبطلان .. فتميم يا إخوان هو
حاكمكم، هو منقذكم .. هو مهديكم هو مرشدكم .. هو رب سفينتكم .. من
يقدر أن يرسو سفينتكم فى بر أمان .. فليهتف كل منكم يا إخوان لا حكم
مصر بغير تميم .

الجميع : لا حكم مصر بغير تميم " (53)

لقد اعتمد "برهام" فى مؤامرته على لعبة الدين والسياسة فادعى انه مدفوع بوصايا إلهية لتمكين "تميم" من الحكم . وهنا لا ينكر الكاتب – كما لا يمكن لعاقل أن ينكر – أهمية الاصلاح الدينى ، وضرورته فى مجتمعات أدمنت الجمود والتقليد ، وصارت فى أمس الحاجة إلى نشر العقلانية فى طرائق التفكير ، وتمكين الدين من تقديم إجابات واضحة لكل أزمات الواقع ، وأسئلته الملحة وفق منطق العصر واحتياجاته . ولكنه أنكر معالجة الواقع القائم بأفكار خاطئة ومغلوطة عن الإسلام لا تستهدف الاصلاح بقدر ما تستهدف تحقيق مطامع سياسية .
وتأكيداً لهذا المعنى يقدم لنا الكاتب شخصية "الشيخ معروف" كواحد من رجال الدين المستنيرين ، وكرمز من رموز مواجهة العنف والإرهاب ، وكجبهة معارضة ضد تسييس الدين لخدمة المصالح الشخصية .

" بشندى : طب ايه الحل يا شيخ معروف

معروف : نربأ بالدين عن ملاعيب الحكام فى الحكم

برهام : أيوه .. قصدك فصل الدولة عن الدين .. مش ده غرضك يا شيخ معروف

معروف : أفهمنى يا برهام .. أنا قصدى ما نخلطش أمور الدولة فى أمور الدين ..
خلط الأوراق بين الأمرين لعبة خطيرة بتشوه صورة الاثنين .. ودى
مأساتنا فى كل تاريخنا ودى غلطتنا اللى مازالت فى مطاردتنا .. من عصر
الفتنة الكبرى لحد الآن . تطاردنا ليوم الدين غلطة خلط الأوراق واللبس
الحاصل بين الناس وفى أذهانهم حتى اختل الميزان وظهر حكام أشكال
وألوان .. وفرق وشيع وملل من كل مكان وفى كل زمان " (54)

وهنا تكمن مقولة النص ، حيث تكشف الرؤية الفكرية للكاتب عن إيمانه بضرورة فصل الدين عن السياسة ، ويرى فى هذه الفصل حلاً للصراعات القائمة حول السلطة على مر التاريخ العربى . كما يحمل النص بين خلجاته إشارة واضحة لوجوب عدم الخلط بين فصل الدين عن السياسة ، وفصل الدين عن الدنيا . فليس من طبيعة الدين أن ينفصل عن الدنيا ، وان يكون فى ركن ضئيل منها بينما تسلم سائر الأركان الأخرى لآلهة مزيفة يضعون لها المناهج دون الرجوع إلى شرع الله ، فليس من طبيعة الدين أن يشرع طريقاً للآخرة لا يمر بالحياة الدنيا ، ولكن على الجانب الآخر يجب أن نترفع بالدين عن المهاترات السياسية ، وان نحرم استغلاله كقناع تتستر خلفه مطامع سلطوية . كما يجب على الحكومات العربية أن تترك الدين الإسلامى حراً من قبضتها السياسية ، أى أن تكف عن توظيفه ، واستخدامه بما يخدم مصالحها وأهدافها ومآربها المتقلبة المتغيرة ، بهدف قمع كل صاحب رأى معارض أو مخالف ، بصرف النظر عن قيمة الحقيقة التى يستند إليها وتكريساً لثقافة العنف ، والإرهاب ، وأهميتها فى المحافظة على كرسى الحكم .
ولا جدال فى أن الصراعات السياسية المختلفة على السلطة من شأنها أن تؤدى إلى العنف والإرهاب بكافة أشكاله كالتنظيم المسلح ، والاغتيال السياسى .

"تميم : ناوى تعمل ايه يا برهام ؟

برهام : يا أمير.. طعنة الخنجر دواء من كل داء

تميم : ناوى تطعن مين يا برهام ؟

برهام : أى واحد يعترضنا

برديس : بس ده غدر وخيانة

برهام : واللى عملوه فى الأمير .. لما عزلوه .. لما طردوه مش ده أصل الغدر
وأساس الخيانة .. صدقونى .. هو ده اسهل وسائل الانتصار .. عندى
ميت راجل مدرب ، كلهم بايعين حياتهم لاجل تنفيذ الأوامر كل واحد لو
قتل مسؤول كبير واحد فى مصر بعدها الدولة حتسقط بين أيدينا بدون
معارك أو حروب .

برديس : لعبة دموية ومخيفة

برهام : يا أميرة أن بعض الدم إصلاح وخير .. أن بعض الدم حقن للدماء .. لو
قتلنا ‘ثنين ثلاثة مش ده أحسن من دخول حرب ومعارك يتقتل فيها
الآلاف" (55)

يقدم لنا النص من خلال شخصية "برهام" نموذجاً للآليات العقلية الجامدة والمتحجرة التى تنطوى عليها عقول الإرهابيين ،خصوصاً حين يبررون لأنفسهم ولغيرهم قتل الأبرياء بدوافع لا علاقة لها بالإسلام .
ومع تقدم الأحداث يتم القبض على" برهام " ، ولكنه ما يلبث أن يهرب ، ويظن "العزيز" أن هروبه كان بتدبير من أخيه "تميم" ، فيأمر بنفيه . ويلتقى "تميم" "ببرهام" فى قلعة الجبل، ويتخذ "برهام" من قصة نفى "تميم" ذريعة لإقناعه بعدالة خطته فى الاستيلاء على الحكم ، ويدخل معه فى نقاش جدلى حول مشروعية استرداد الحقوق بالعنف والإرهاب ، ذلك النقاش الذى يكشف عن المرمى الحقيقى للمؤامرة ، وعن مطامع "برهام" فى الاستئثار بالسلطة لنفسه . وتهاجم عصابة الحشاشين مدينة القاهرة ، وتستولى عليها ، وتحاصر قصر العزيز، وتهدد آل المعز جميعاً بالقتل ، ليرفع القناع عن الوجه الحقيقى للإرهاب ، وأيديولوجية العنف التى تتخفى حيناً وراء هتافات العدل والحق ، وأحياناً وراء الشعارات الدينية البراقة.
وهنا يحذر النص من الخلط بين مفهوم العنف ، والدين الإسلامى وهو خلط مغلوط من أساسه ، فالدين الإسلامى دين يدعو إلى السلام والعدل والحق ، يدعو إلى احترام الإنسان ، والمحافظة على سلامته مادياً ومعنوياً ، دين يدعو إلى إقامة الحوار والنقاش ، وإعمال العقل والمنطق ، لا إلى العنف والقتل والفساد . فالإسلام الحقيقى دين التسامح ، والاعتراف بالآخر ، واحترام حقه فى العيش والاختلاف.

"برهام : لا اتفاق مع مجتمع وثنى كافر .. هو ده حكم الشريعة والحاكمية للإله .

برديس : لو بتفهم ايه يكون حكم الشريعة فى مجتمع كافر تقول .. اذهبوا فأنتم
الطلقاء يا أمير " (56)

ووفقاً للمنطق القائل المقدمات تؤدى إلى النتائج فإن الجو السياسى العام ، وتواكل الناس ، وعدم قدرتهم على الفعل ، وجشع الطامعين فى السلطة ، كل هذه المقدمات لابد وان تصل إلى النتيجة المنطقية وهى انتصار الظلام ، وتملك "برهام" زمام الأمور.
ويحيلنا الكاتب بأسلوب ساخر إلى عواقب وضع السلطة فى أيدى المتشردين من المتأسلمين فيستعرض جوهر الفكر التحريمى الذى تتمحور حوله سياستهم ، وما يتضمنه من املاءات الدين وشروطه التعسفية من جمود عقائدى وانغلاق فكرى مصحوب بعناد ومكابرة فى توكيد موضوعات بالية وأفكار شائخة بعيدة عن صحيح الدين ، ولا يثبتها العلم، ولا يقرها الواقع النابض بالتغيير والحيوية والتطور.

"برهام : من أمير الأمراء وفقيه الفقهاء الأمير برهان أمير المسلمين الصالحين
الرجل يخرج بدون لحية حرام .. بدون جلابية بيضة زاعرة حرام .. ست
تخرج دون نقاب حرام .. زينة فى الأفراح حرام .. التنزه والتمشى على
النيل حرام .. التمتع بالجناين وشم النسيم حرام .. الجلوس على المقاهى
حرام .. أكل الكوسة والكسكسى حرام .. رؤية الحاوى وخيال الظل حرام
..... الربابة والغناء والرقص حرام .. شعر أو شعراء حرام .. طبل زمر
ناى حرام .. العلاج عند الطبيب حرام .. الأكل بالشوكة والسكين حرام ..
لبس السراويل والفساتين حرام " (57)
وتنتمى شخصية المجرم فى نص "السلامونى" وفقاً لنظرية "ميرتون" إلى نمط الانحراف المتمرد الذى ينظر إلى الأنساق الاجتماعية القائمة باعتبارها نظماً جائرة وغير متميزة بالشرعية ، فيقوم بحركات جماعية فى صورة فعل سياسى منظم من أجل التمرد عليها ، وتحقيق مصالح سياسية خاصة به فى محاولة لإيجاد نظام بديل قائم – من وجهة نظره – على الشرعية والعدالة الاجتماعية ، فالسلطة قد أفسدت "برهام" ، وعملت على تخريبه من الداخل ، أو بالأحرى ساهمت نقاط الضعف الإنسانى داخله فى إسقاطه أخلاقياً وسياسياً ، فينحرف فى اتجاهات إجرامية تدعم مصالحه الذاتية ، وامتيازاته المكتسبة .
ويرى الكاتب أن أعمال العنف والإرهاب نموذجاً للقضايا الكبرى والمهام الجسيمة التى لا تقتصر مواجهتها على الدولة فحسب ، بل لابد وان يكون المجتمع بشتى قواه ، ومنظمات مجتمعه المدنى شركاء فلا تحمل هذه المسؤولية ، لان قضية من هذا النوع تسعى إلى النيل من الكل ، ومن هنا تتطلب يقظة الجميع من أجل مواجهتها هذا إذا أردنا – فعلاً نحن الأفراد – وأرادت قوى المجتمع ، ومؤسساته المختلفة الحفاظ على بقائها وكينونتها ، واستمرار وجودها.

"تميم : كان غرضكم تقتلونا وتعلنوها دعاية للحكم الجديد .. حكم عصر
الحشاشين .. بس ما قدرتوش علينا .. أنت عارف ليه يا برهام .. مصر
قامت والمدينة القاهرة صحية وفاقت

برهام : شىء جميل .. وأنت يا أمير اللى صحيتهم بنفسك ؟

برديس : عمى صوان اللى بانى مصر صحاهم يا برهام .. عمى صوان وبشندى
واللى شاركوا فى بناء القاهرة والجامع الأزهر وسيدنا الحسين والسيدة
بنايين مصر القديمة والجديدة مهندسيها.

تميم : نجارينها وحدادينها

برديس : شغالينها وفلاحينها

تميم : سقاينها وحمالينها

برهام : وأكيد مطربينها ورقاصينها

برديس : ولأجل خاطرك .. طبالينها وزمارينها

تميم : رسامينها ومثالينها " (58)

يشير الحوار السابق إلى أن مواجهة أعمال العنف والإرهاب ليست عملاً أمنياً يناط بالدولة فقط القيام به ، وتحمل أعبائه ، وتبعاته بمفردها ، بل هو إلى جانب ذلك عمل مجتمعى ، ومسؤولية فردية . وقد فطن "الشيخ معروف" إلى ذلك ، فحاول بدوره إيقاظ الوعى المجتمعى لجماهير الشعب معطياً إياه قوة دفع إلى التحرك لاكتشاف زيف تلك الجماعات ، ومواجهة القوى المتربصة التى تسعى إلى النيل منه ، وتحاول أن تجهز عليه لتورده معها مهاوى التهلكة . ويدرك "برهام" خطورة "الشيخ معروف" فيحاول استمالته وكسبه لصفه ، وعندما يفشل يقوم بقتله – مدعياً انه قد ارتد عن الإسلام – فى دلالة رمزية، وإشارة تحذيرية من الكاتب إلى محاولات جماعات التطرف لهدم صحيح الدين وسماحته .
ويشكل مقتل "الشيخ معروف" لحظة الانطلاق والتثوير لجموع الشعب التى هبت من سباتها لتزيح عن أعينها غيمة الخنوع والسلبية ، وتقف صفاً واحداً فى مواجهة عناصر العنف والإرهاب .

"بشندى : الشيخ معروف مرتد .. لا حول ولا قوة إلا بالله .. الشيخ معروف كان
أتقى وأشجع خلق الله .. منك لله يا برهام .. ده احنا ولا عايشين فى غابة
.. هو مافيش شرطة ولا حكومة علشان تنقذ أرواح الناس ايه يعنى
خلاص حانسيبهم طايحين فى بلادنا يرهبوا فينا ويموتوا فى قلوبنا
الإحساس .

صوان : لا يا بشندى الناس هى اللى ضرورى تقوم .. لا الشرطة ولا حكومة ولا
جيش يقدروا يعملوا حاجة من غير الناس .. الناس لازم يبقى لهم دور

بشندى : الناس مين يا معلم .. خللى الطابق مستور .. الناس متوولة ونايمة على
ودانها .. الناس خايفين لابدين فى جحور

صوان : الناس لازم تصحى وتبطل خوف زى ما كان الشيخ معروف بيقول .. دى
حياة أو موت .. معقول نفضل خايفين من صيع يقتلوا فينا وباسم الدين ..
طب ليه ساكتين طب ليه نايمين ولأمتى حاتفضلوا كده خايفين .. قوموا
وفوقوا واصحوا وشوفوا مصر بلدكم حاتروح على فين .. مصر أمانة
حافظوا عليها وأوعوا تناموا تفرطوا فيها واحموها من رمش العين " (59)

كما يرى الكاتب ضرورة أن يضطلع الفن بوظيفة تنويرية وتثقيفية على نحو يجعله أداة فعالة فى مواجهة أفكار التطرف والإرهاب . فلا جدال فى أن للفن دور إيجابى وتصحيحى لفتح رؤى جديدة فى أفق الوعى الاجتماعى الضيق بهذه الظاهرة ، وتفعيل ذلك الوعى ضد الأخطار الفكرية ، وتحصينه بفكر ناقد ومفند لخلق مسوغات الفرد الإيجابى تجاه وطنه والحفاظ عليه من أى قوى غادرة تحاول النيل من أمنه واستقراره ، حيث أن الانغلاق الفكرى والثقافى فى بعض الأوساط المجتمعية هو الذى يساهم فى نشأة ذلك الجو الذى قد يقود أحياناً إلى تفريخ عناصر إرهابية إذا وجد من يزكيها

"تميم : ... المهم نخلى كل الناس تقول .. صوتها يعلى ورأيها يعلى لفوق فوق
النجوم كلمة الناس ورأى الناس أهم من السلاح ومن الجيوش .

برديس : بالقصيدة غنوة حلوة .. برأى حر بفكرة حرة .. بعقل متنور وزاهى وفهم
واعى " (60)

ومن ناحية أخرى فان للفن دور هادف فى إرساء القيم الإنسانية النبيلة ، وتنمية الوعى الجمالى ، مما يساهم فى النهوض بالواقع ، والأمل فى مستقبل أكثر إشراقا وهو المنطق الذى استند إليه "تميم" فى رفضه لطلب "برهام" بالتخلى عن الشعر .

"تميم : والحياة تكون ازاى بدون شعر وأغانى .. ازاى تكون من غير جمال .. كل
ده ليه يا برهام .. عشان أكون قصاد الناس حاكم كئيب .. لا يا برهام
يفتح الله " (61)

يؤكد النص فى أكثر من موضع على أن الفن قادر برموزه وإبداعاته على إعادة إنتاج وتوليد وتجديد منظومة القيم المجتمعية ، وتوجيهها بما يضمن سلامة المجتمع وأمنه ، والمقصود بالفن هنا هو الفن الرفيع الذى يخاطب العقل والعاطفة ويرتفع بمشاعر الإنسان ، ويسمو بعواطفه ، ويزيد من إحساسه بالجمال . أما الفن الفاسد الذى يستهدف إثارة الغرائز ونشر القبح والفساد فلا يمكن أن نسميه فناً على الإطلاق .
وتأكيداً لتلك الرؤى الفكرية تأتى نهاية المسرحية بمثابة لحظة تنوير ، فبعد أن تعم الظلمة كل شىء فى مسرحية "أمير الحشاشين" تحتشد جموع الشعب ، وتبدأ مواجهة عنيفة بين "برهام" وأتباعه من جهة ، والجماهير المصرية من جهة أخرى ، وتنتهى المسرحية بانتصار إرادة الشعب ، وإعلائه لقيم التسامح والحب والخير والجمال . 

الاغتيالات السياسية فى المسرح المصرى

بسم الله الرحمن الرحيم
ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق
صدق الله العظيم

تعتبر جرائم الاغتيال السياسى من أخطر الجرائم الإرهابية ، وهى حلقة من حلقات الصراع السياسى فى المجتمع المصرى ، " وقد عرفت الاغتيالات السياسية فى مصر منذ أواخر حكم المماليك .
وكانت أول جريمة ارتكبت فى تاريخ مصر الحديثة هى مقتل " كليبر " (الجنرال الفرنسى) ، الذى تولى قيادة الحملة الفرنسية بعد " نابليون " ، وقد اتهم فيها "سليمان الحلبى " ، وقبلها مذبحة المماليك فى القلعة على يد "محمد على " ، كما حملت الفترة قبل الثورة بالعديد من الاغتيالات السياسية التى ارتكبت كوسيلة للتخلص من أعداء الشعب ، أو أعداء الدولة ، والتى كانت أما بتدبير الدولة ، أو بعض الجماعات الإسلامية " (62)
وفى الفترة محل الدراسة ، ازدادت حوادث الاغتيال بشكل ملحوظ ، وكان ضحاياها من كبار الشخصيات السياسية ، والعسكرية ، والدبلوماسية ، والبرلمانية ، والأدبية . ولعل أخطر حوادث الاغتيال التى وقعت فى مصر فى العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين حادث اغتيال الرئيس " محمد أنور السادات " رئيس الجمهورية يوم 6 أكتوبر سنة 1980 . كما شهد عام 1990 عدة جرائم اغتيال أهمها اغتيال الدكتور " رفعت المحجوب" رئيس مجلس الشعب على يد إحدى الجماعات الإسلامية . وفى عان 1995 تعرض الرئيس " محمد حسنى مبارك " لحادث إرهابى فى أديس أبابا كاد يودى بحياته .
وقد تعرض الكاتب " سمير سرحان " لواحدة من تلك الجرائم السياسية فى مسرحيته " امرأة العزيز " ، والتى لجأ فيها إلى أسلوب معالجة التراث الدينى للتعبير عن تجربة معاصرة فقد قدم لنا الكاتب رؤية عصرية لقصة سيدنا " يوسف" مع امرأة العزيز ، يعكس من خلالها صورة لواقع الحياة فى مصر فى أربيعنيات القرن العشرين ، بكل ما كان يعتمل فى هذا الواقع .
وتدور أحداث المسرحية حول "زبيدة" ابنة أحد شعراء الصالات فى" روض الفرج " ، ذلك الحى الذى كان مزدحماً بالملاهى والحانات خلال أربعينيات القرن العشرين ، وقد عاشت سنوات طوال تحلم بالانتقام لوالدها الذى قتل أمام عينيها ، وهو يدافع عنها ضد اعتداء أحد الجنود الإنجليز الذى حاول اغتصابها وفى صالة " كرياكو" تتعرف "زبيدة" على "يوسف الذى يتبناه "غزيز باشا" رئيس وزراء مصر وهو صغير ، وتنشأ بينهما قصة حب ، ويتبين لها انه أحد الذين يقاومون جنود الاحتلال الإنجليزى بالاغتيالات ، وتعلم أن الكولونيل الإنجليزى الذى جاء ليسهر فى الصالة برفقة "عزيز باشا" هو هدف المقاومة فى هذه الليلة . وتساند "زبيدة" حبيبها وأصدقاءه فى عملية الاغتيال ، وينجح "يوسف" ورفاقه فى تنفيذ العملية ، ويخر الكولونيل صريعاً ، ويأمر "عزيز باشا" بإلقاء القبض على يوسف وكل من كان فى الصالة ، وإيداعهم السجن ، ليثبت للجميع أن الواجب فى عرفه أهم من العاطفة . أما "زبيدة" فيأمر بإحضارها إلى القصر ، ويجبرها تحت الضغط على الزواج به ، وعلى الحياة معه فى القصر بعد أن استبدل اسمها باسم "دلال " ، وتقبل "زبيدة" الزواج من "عزيز باشا" بشرط الإفراج عن "يوسف" .

ويعود "يوسف" إلى بيته ، فيجد حبيبته وقد أصبحت زوجة الرجل الذى تبناه ، وتحاول "زبيدة" إقناع "يوسف" بأنها قد فعلت ذلك لإنقاذه ، لكن "يوسف" يرفض هذا الحب الملوث ، وتنتهى المسرحية بعد أن تكشف عن مدى الفساد السياسى فى ظل الاحتلال ، وحكم عملاء الاستعمار الملىء بالدسائس والمؤامرات.
وبالرغم من أن النص تدور أحداثه فى أربعينيات القرن العشرين إلا أنه يعكس أحداث سياسية معاصرة واكبت الانفتاح الاقتصادى " (63)
ويرى أمير سلامة (64) أن سمير سرحان قد وفق إلى حد بعيد عندما اتخذ من قصة سيدنا "يوسف" الدينية إطارا لمعالجة أحداث مسرحيته ، فقد قصد بذلك أن يدعونا أن نتأمل الجديد من خلال القديم ، وأن نمعن النظر فى أمر حياتنا المعاصرة من خلال عالم البراءة المتمثل والمرتبط بيوسف الذى احتفظ المؤلف باسمه لبطل مسرحيته ، والذى وجد نفسه فى بؤرة صراع فى زمن اختلط فيه الخير والشر ، أو كما عُبر عنه فى المسرحية عن حق بأنه زمن الانحطاط .
لقد طرح الكاتب موضوعاً استوحاه من التراث الدينى وعلينا أن نقارنه بواقعنا ، من خلال فكرة الصراع الذى أجاد "سمير سرحان " حبكها بين عالمين متصارعين أحدهما رمز للملكية والإقطاع ، ويضم الحكام والعمد وأصحاب رؤوس المال والسماسرة ، وكلهم يملكون ويبعثرون ولا تشغلهم سوى اللذة والمتعة والمصلحة الشخصية ، والآخر رمز للفقر والمعاناة ، ويضم أهل حى روض الفرج وفنانيه ، وهم لا يملكون سوى الحب والشعر والفن. ويمثل "يوسف " فى نص " سمير سرحان" همزة الوصل بين العالمين ، فهو كابن بالتبنى "لعزيز باشا" ينتسب إلى عالم الملكية والإقطاع ، وكرمز للقوى الجديدة التى تسعى للتغيير ، فهو ينتمى إلى عالم روض الفرج بكل معاناته وآلامه .

"يوسف : ناس بتكسب من غير حساب وجاية تبعتر فلوسها وفلوس البلد فى
الصالات والكباريهات .. وناس جعانة مش لاقية تأكل لازم يكون فيه
حل"(65)

وقد حاول الكاتب استنطاق القصة الدينية القديمة لكى تعبر عن الواقع المصرى فترة السبعينات من خلال إسقاط دلالات معاصرة عليها ، وتفريغها من مضمونها الدلالى القديم ، فى محاولة للمواءمة بين أحداثها ، وشخصياتها ، وشخصيات الواقع المصرى فى تلك الفترة .
فأحداث المسرحية التى أختارها المؤلف من تاريخ مصر فى الأربعينيات " لم تقف عند جانب واحد ، وإنما اجتهدت فى أن تتعرض لمختلف الجوانب ، بحيث تشعر . وإنك تشاهد تلك المرحلة فناً ومجتمعاً وسياسة وشعراً ونضالاً فهى بانوراما شاملة تضطرع بالحركة والصراعات والتوترات " (66) التى تلقى ظلالاً واضحة على مفاسد ومساوئ تلك المرحلة الحافلة بالمقاومة الوطنية ، وسيادة طبقة أصحاب رؤوس الأموال من عمد وإقطاعيين من أغنياء الحرب والباشوات والبكاوات ـ وهى أشبه ما تكون بالطبقة الطفيلية الانفتاحية ـ وما صاحب ذلك من انتشار للفن الهابط المتمثل فى المونولوجات ، والأغانى المبتذلة والرقصات الرخيصة التى انتشرت عبر صالات روض الفرج الشهيرة فى هذه الفترة التاريخية ، والتى تهدف إلى تسلية وإمتاع هذه الطبقة الصاعدة ، مع كل ما يحمله ذلك من إسقاط على الواقع المطروح فترة السبعينيات ، التى شاهدت تغيرات جوهرية فى النسق الاقتصادى والاجتماعى والسياسى فإذا كانت الحياة الاقتصادية فترة الانفتاح أصابها التمزق وسيطرت عليها عناصر داخلية وخارجية لا هم لها غير الكسب من اقصر الطرق ، أياً كانت طبيعة هذه الطرق ، فلا عجب أن تتشوه الحياة الثقافية والفنية فى المجتمع بفن هابط ردىء يخدم أهواء ورغبات الطبقة الطفيلية فى ظل غياب الرقابة عن سوق هذا النوع من الإنتاج الفنى .

"العمدة : (بأعلى صوته بتبرم شديد) فين الرجاصة ؟ حتنكدوا علينا ولا أيه ؟
(يجرى إليه الخواجة ) .

كرياكو : مافيش رقاصة النهاردة خضرة العمدة ..النهاردة تشخيص وبس .

العمدة : أنا بايع القطن وجاى على هنا طوالى بالسانت كروفت عشان الرجاصة"(67)

وقد ساهمت هذه الطبقات بدور كبير فى انهيار منظومة القيم الأخلاقية فى المجتمع المصرى، بما اكتسبته من أخلاقيات الأنا والاستعداد الفطرى للاستغناء عن كل القيم والمعايير نظير الحصول على المادة .

كرياكو : من فضلك يا بيه .. الليلة مش عاوزين مسخرة .

الأفندى : (محتجاً) يعنى إيه ؟

كرياكو : يعنى تروخ الست وتتفضل خضرتك أخلاً وسخلاً .

الأفندى : (محتجاً) أروحها ؟ لأ بقه أنا قاعد هنا بفلوسى ( يخرج محفظته يقذف
على الترابيزة بعض العشرات ) مش مكفيك دول ؟ (يخرج من جيبه
رزمة ) خد كمان ..أنت فاكرنى أفندى ولا موظف ؟ أنا أكبر تاجر فى
المغربلين ! .

يوسف : (عند منضدته) عفن .... كله عفن " ( 68)

كما تعرض الكاتب فى نصه لواحدة من قضايا الفساد السياسى ، وهى انتهاج السياسيين نهجاً أيديولوجيا يحاولون به التقرب إلى الغرب الرأسمالى ، مقابل تقديم العديد من التنازلات التى غالباً ما تكون ضد مصلحة البلاد فكراً وعملاً ، مما يعد خيانة للشعب والوطن . فيقدم لنا الكاتب شخصية "عزيز باشا" رئيس وزراء مصر الذى اختار أن يضع يده فى يد أعداء بلده الإنجليز لضمان البقاء والسيطرة على الحكم .
" الباشا : أنا ما خنتش .

زبيدة : لا يا باشا خنت .. أنت حطيت إيديك فى إيد الإنجليز أعداء بلدك .. كان
لازم لحظة فظيعة زى دى تحصل عشان تعرف الحقيقة .

الباشا : أنا ما حطتش أيدى فى أيدهم .. بالعكس .. هما اللى محتاجين لى ..
واشتغلنا مع بعض مرحلة .. دى سياسة .. فى مرحلة ممكن نبقى أصدقاء
.. وفى مرحلة تانية أعداء .. سياسة .. بقولك .. المسألة مش بالبساطة
دى .. مش واحد زائد واحد يساوى أتنين .

زبيدة : لا .. المسألة بالبساطة دى .. الإنجليز أعداءنا وأنت تعاونت معاهم وأنت
نفسك ضميرك بيعذبك أحياناً لما تفتكر الحقيقة وأنت قاعد لوحدك " ( 69)

ولا شك فى أن مثل هذه القضايا كانت محض جدلية واسعة النطاق فترة حكم السادات "الذى تعرض هو نفسه إلى حملة دعائية رحبت بها كل الصحف العربية تشكك فى سلامة الطريق الذى أختاره ، خاصة عندما اتجه إلى الاتصالات المباشرة مع أمريكا ، ومع إسرائيل، وتشكك فى أنه قدم تنازلات لم يأخذ عنها عوضاً إلى أخر هذه الاسطوانات التى أصبحت تدار فى كل الصحف العربية ، وعلى مستوى كثير من المسؤولين فيها " (70)
لقد أختار "سمير سرحان " واقعاً تاريخياً مطعماً بالأحداث ، مرصعاً بالصراع ، مشحوناً بالتوتر ، ولكنه صالح فى الوقت نفسه ـ قصد الكاتب ذلك أو لم يقصد ـ للتطابق مع كل عصر تتشابه فيه الظروف والملابسات (71)
وأمام كل هذه المفاسد على مستوى الصعد المختلفة ، لم يكن هناك بديل عن تواجد قوى مضادة تقاوم ذلك الفساد السياسى والتردى الأخلاقى ، ومن هنا جاء "يوسف " فى نص "سمير سرحان " ليكون رمزاً لأى فرد يبحث عن العدالة ، أو أى مجاهد يناضل ضد الفساد فى أى زمان ومكان . فشخصية " يوسف" فى هذا النص لم تكن تعبر عن ذاتها بقدر ما كانت تفسر عصراً بأكمله ، وتلقى الضوء على هموم هذا العصر، بل كل عصر يعانى.
وباغتيال "يوسف" للكولونيل الإنجليزى ووصول "زبيدة " قصر " عزيز باشا" تأخذ الأحداث بعداً دراميا جديدا تتصاعد خلاله حدة الصراع بين مثلثين متناقضين أولهما فاسد ، يمثله "عزيز باشا" العقيم جسديا وسياسياً والذى يبرر زواجه من "زبيدة" بأنه وجد فيها ما يفتقده من شباب وحيوية وفترة طبيعية بعيدة عن قيد العادات والتقاليد وسجن البروتوكولات ، إلا أنه يستغل هذا الزواج كأداة يخدع بها الشعب ، ويخدره بدعاواه الزائفة عن الديمقراطية بالتظاهر بأنه تزوج امرأة من طبقات الشعب البسيطة .

"فهمى : الجوازة دى ضربة معلم يا باشا .. أعتقد أن صراعك مع جلالته أتحسم
لصالحنا !
عارف : يعنى إيه ؟ مش فاهم !
فهمى : جلالته كان ناوى يصدر أمر بإقالة الحكومة .. وكان بيتحدى بذلك الإنجليز
.. حجته أن الحكومة مش ديمقراطية بما فيه الكفاية ! .

عارف : فهمت . ودلوقت فيه ديمقراطية أجدع من كده بقى ؟ الباشا بحالة أتجوز
واحدة من عامة الشعب " (72)

أما الضلع الثانى من أضلاع المثلث الفاسد فيمثله "فهمى بك " سكرتير "عزيز باشا" ومدير مكتبه ، ذلك الرجل الذى يدافع عن مصلحة الباشا المرتبطة بشكل مباشر بمصلحته الشخصية بغير قيم ولا معايير

" عزيز : أنت شيطان يا فهمى .. عشان كده بتعجبنى .

فهمى : أنا خدام يا باشا .

عزيز : عارف يا فهمى .. أنا لو الملك قدر يشيلنى ويحط مطرحى زعيم
المعارضة .. برضه حتروح تشتغل معاه .

فهمى : معقول يا فندم أنا كده ؟

عزيز : عارف يا فهمى .. أنت إنسان تال على كل الموائد .. اللى بتغلبه بتلعبه

فهمى : اللى تؤمر بيه يا باشا .

عزيز : ما عندكش أى أخلاق أو مثل
فهمى : أمرك يا فندم

عزيز : أنت جزمه يا فهمى .

فهمى : تمام يا فندم .

عزيز : بس بقى نوعك مفيد للى زيى .. أخلص بيه كل شغلى القذر "(73)

وتكتمل أضلاع المثلث الفاسد بشخصية "عارف" شقيق زوجة الباشا المتوفاة . والصاعد من أسفل السلم الاجتماعى إلى قمته تسلقاً وتشبثاً بالحيلة والرذيلة ، والذى تحول من كاتب بسيط فى البلدية إلى مقاول كبير من أصحاب الشركات ، وذلك كله من خلال علاقته بالباشا، وعلاقاته برجال السرايا ، وبالرغم من استنكار "عارف" لأفعال "عزيز باشا " الدنيئة إلا أنه لا يرى غضاضة فى الارتباط به والتقرب منه حفاظاً على مكاسبه التى أحرزها فى ظل هذا الارتباط .

"وديع : (لعارف) أنا شوفتك فين قبل كده ؟
(عارف يقف محرجاً )

وديع : الله .. مش أنت كنت كاتب حسابات فى البلدية ، وبتسرح بعد الظهر بكبده
مقلية ، وبعدين اشتغلت فى المقاولات .

عارف : (مشمئزاً خائفاً من انكشاف أمره ) ولد .. ولد

وديع : أيه اللى جرى يا عارف .. وأيه اللى فتح عليك وقلبك القلبه دى .. آه
سلكت مع الباشا .. أيام ما كان لسه بيه .. لا .. عرفت تسلك أمورك
كويس " (74)

وإن كان رأس هذا المثلث يمثل الفساد السياسى للدولة ، فضلعية يمثلان الطبقة الطفيلية التى طفت على سطح المجتمع المصرى فى ظل هذا الفساد .
وقد عمد الكاتب لخلق أضداد لهذا المثلث الفاسد معتمداً فى تقديم شخصياته على تكنيك المقابلة بين الشخصية السلبية المرفوضة ، والشخصية الإيجابية فيقدم لنا شخصية "زبيدة" التى تحتل أضعف أضلاع المثلث الإيجابى ، " " فزبيدة " التى تكبر "يوسف" سناً ربيبة صالة "كرياكو" بروض الفرج ، والتى ساعدت يوسف فى تنفيذ مخططه لاغتيال الكولونيل الإنجليزى تنطلق دوافعها الوطنية من منطلق ذاتى صرف ، " (75) فقد لقى والدها مصرعه فى ذات الصالة بسونكى أحد جنود الاحتلال ، وهو يدافع عنها ضد محاولة اغتصابها ، وقد شكلت هذه الذكرى الدافع المباشر لمساعدتها يوسف ورفاقه كى يثأر لها .. دون أن يتبلور لديها الوعى الكافى بأبعاد القضية الوطنية التى يمكن أن يموت الإنسان من أجلها .

" يوسف : أنت ساعدتينا ليه ؟!

زبيدة : (تتنهد ) كنت حاسة أنه حييجى يوم حد ينتقم لى من العسكرى الإنجليزى
.. ينتقم لدم الشاعر ولعمرى اللى بيتسرب من أيدى شوية شوية .. حكاية
طويلة .
يوسف : أسمعها .

زبيدة : فى يوم من الأيام .. هنا فى الصالة .. كان أبويا قاعد على نفس الترابيزة
بيكتب شعر .. قصيدة فى حب مصر .. وأنا كنت قاعدة جنبه تمام زى أنا
وأنت دلوقت .. أيامها كنت عيله بتاعت 15سنة .. دخل عسكرى إنجليزى
سكران .. عينيه حمرا .. وعضم خدوده بارز زى الشيطان .. كان باين
أن الشهوة اتحولت فى عينية لنيران .. شافنى .. جه علية والسونكى فى
أيديه .. خفت .. صرخت .. أبويا الشاعر أتحول لوحش جريح بيدافع عن
شرفه قدام الصياد .. أيديه اتخشبت على رقبة الإنجليزى .. الإنجليزى
شهق .. غرز السونكى فى صدر الشاعر دمه سال على أرض مصر"(76) .

وهنا تجدر الإشارة إلى استخدام الكاتب لجريمتى الاغتصاب والقتل ، واللتان تمتا قبل بداية أحداث المسرحية كدافع من دوافع الشخصية المسرحية للإتيان بفعل من شأنه دفع حركة التطور الدرامى للأحداث .
وزبيدة فى نص "امرأة العزيز" تجسد الشخصية الإنسانية بكل تناقضاتها ، ويتجلى هذا التناقض فى زواجها من عزيز باشا رغم قصة الحب التى تربطها بابنه بالتبنى يوسف ، وليس هذا فحسب ، بل فى تبريرها لهذا الزواج برغبتها فى معاونة المناضلين من أبناء وطنها من حيث أنها أصبحت تتواجد فى قلب " المطبخ السياسى " ، على أمل أن تمد المقاومة بأسرار القصر ، وأن تنقذ يوسف حبيبها من السجن .

"وديع : إجوزتى عزيز ليه ؟

زبيدة : كان لازم أنتقم لأبويا

وديع : بأنك تتجوزى عزيز ؟

زبيدة : بأنى أنقل الكفاح ضده لجوه بيته . " (77)

ولكنها سرعان ما تكشف لنا عن سريرتها ، وتعترف تحت ضغط عم وديع (شاعر الحانة) ، ووطأة أسئلته التى لا ترحم بالدافع الحقيقى وراء هذا الزواج فهى تبحث عن الحب والأمان فى قصر الباشا واللذان لم يستطع يوسف توفيرهما لها بعد أن وضع رقبته على كفه ؟ ووضع إصبعه على الزناد .

"وديع : (بإصرار ) إجوزتيه ليه ؟!

زبيدة : (صارخة ) زهقت .. زهقت .. الخوف .. والوحدة والأودة الضلمه ورى
المحل .. وبكرة اللى مش عارفة حيجرى فيه أية .. أنا كبرت .. كان لازم
أتجوز بقى .. أخلف .. من حقى أن يبقى لى أبن .. ويطلع غنى
..وميبقاش نفسه فى ربع كيلو كباب ويشحت شلن علشان يأكله وما
يلقاش حد يديله الشلن .. مش كده ." (78)

وتكتشف زبيدة عقم زوجها ، وعدم قدرته على الإنجاب ، فتدرك أنها قد فقدت كل شيء بعد أن افلت حبل الأمان من بين أناملها ، فتحاول أن تتشبث بآخر الطرف لعله الأمل الأخير، فتسرع إلى يوسف فى محاولة لاسترداد حبها القديم ، وعبثاً تحاول إقناعه بسلامة موقفها واضطرارها إلى الزواج من عزيز باشا أملا فى إنقاذه والإفراج عنه إلا أن يوسف (الطاهر ) لا يقبل أن يدنس ، ويرفض هذا الحب الملوث ، خاصة بعد علمه بان عملية الإفراج ما هى إلا مؤامرة وضيعة دبرها "عزيز باشا" بمعاونة سكرتيره "فهمى بيه" ، الذى اشر عليه بأن يجعل من يوسف (شاهد ملك ) أى جاسوس على زملائه وبذلك يتمكن من الإفراج عنه بعد القضاء على شرفه وكيانه للأبد وتلويث دوره أمام رفاق المقامة .
وهنا نجد أن المؤلف كان محقاً فى أن يعدل منه القصة الدينية بما يتلاءم مع طبيعة العصر ومنطقة فبينما سعت زليخه لان تضيع يوسف بإدخاله السجن عقابا له على رفضه الاستجابة لها .. فإن زبيدة فى امرأة العزيز ضعيفة من حيث أرادت أن تنقذه من السجن والموت ـ الذين كانا يمثلان قمة الانتصار الحقيقى له ـ لتقوده إلى الحرية التى هى أشر من السجن ، والى الحياة التى أصبحت أشد فظاعة من الموت ." (79)

وقد سعى الكاتب من وراء هذا التحوير والتعديل إلى التأكيد على قيم الحرية والعدالة ، ونزعها من مفهومها البسيط المرتبط بالتقييد أو التسريح ، ليغلفها بمفهوم أشمل وأعمق يتعلق بمصير شعب وأمل أمه فى الخلاص ، والقضاء على الفساد بنبذ الأنا والتسامى فوق كل خوف ولو كان مواجهة الموت .

أما "زبيدة" و "زليخة " فكلتا المرأتان تمثلان الطبيعة فى قمة بدائيتها وتأججها .. الطبيعة التى لا تعترف بالعرف والتقاليد ، وإنما فقط بالخصوبة والنماء ، وفى مشهد من أروع مشاهد المسرحية ، وهو الذى يعطيها بعدها الميتافيزيقى ـ من حيث أنه يفكرنا بلحظة الغواية التى زينتها حواء لأدم لحضه على ارتكاب المعصية ـ تسعى زبيدة أن تزين ليوسف لحظة الخيانة باعتبارها لحظة للنبل والطهر والجمال ." (80)

"زبيدة : (تدور حوله لاهثة) أنا بالنسبة لك لحظة الشهوة الجامحة .. لحظة النبل
والطهر والجمال .. لحظة الميلاد .. لحظة الموت .. لحظة ارتعاشه
الجسد .. لحظة خفقان الروح .. أنا بالنسبة لك جنة الفردوس .. إذا
دخلتها أصبح كل شيء فى متناول ايديك .. الخمرة .. واللبن والعسل ..
أجمل وأروع الثمار .. أنا الثمرة قدامك اقطفها .

يوسف : (لاهثاً) الثمرة المحرمة . " (81)

ويكاد يوسف أن يهيم بها فى لحظة من لحظات الضعف الإنسانى ، إلا أنه يبتعد عنها صارخاً (أنت شيطانه) ، فتنقض عليه من الخلف ، وتمزق له قميصه فى محاولة من الكاتب لاستنساخ المشهد المذكور فى القصة الدينية القديمة . وعندما يعلم الباشا بما حدث يعمد إلى التواطؤ والتعتيم ، حيث أن إدانة أى من الزوجة أو الابن قد يضر بهيبته أمام شعبة ، وبموقفه السياسى أمام خصومة ، والملك ليستكمل النص سلسلة اكتشافات عن مدى التدنى الأخلاقى والانعدام القيمى والفساد السياسى الذى سيطر على المجتمع المصرى فى تلك الفترة .

"عزيز : الكلام ده كله ما حصلش .. صاحبة العصمة بقلبها الحنون وأمومتها
الجافة كانت بتحنو على الولد العاق يوسف .. صور له خياله المراهق إن
عطفها عليه رغبة دنيئة .. لكن الحقيقة غير كده .. وكل اللى انتم قلتوه
ده ما حصلش .. ولا سمعت بيه .. الحقيقة بقى لا هو هم بها ولا هى
همت بيه ! "(82)

وتكمن السقطة التراجيدية لزبيدة فى رغبتها لامتلاك كل شيء فى الوقت ذاته ، فهى تريد "عزيز باشا " كمصدر للأمان النفسى والمادى ، وترى فى يوسف الحب الذى سيعوضها عن قسوة الحياة ، ومرارة الأيام التى عاشتها فى صالة كرياكو بعد مقتل والدها فتتخذ بزواجها من عزيز وسيلة لنيل المأربين ولكن سرعان ما تكتشف جدب الحياة التى تعيشها ، فتصل إلى لحظة من لحظات الاستضاقة ، واستعادة الوعى تبدأ على أثرها فى مواجهة عنيفة ومباشرة ضد عزيز باشا ، وما يمثله من فساد وظلم وطغيان .

"زبيدة : أنا قلت أنا المسئولة عن كل شيء .. أنا اللى أغويت يوسف ورفضنى ..
يا عزيز باشا إذا كنت عاوز تحكم على حد أحكم على أنا وخلصنى .. أنا
راضية باللى تحكم بيه .. بس يوسف سيبوه .. سيبوه يحقق كل اللى بيحلم
بيه سيبوه يزره الطهر والبراءة والشرف فى كل مكان .. بلاش تخنقوه ..
بلاش تقضوا على أعظم قيمة فى الوجود . " (83)

وإن كانت زبيدة هى أضعف أضلاع المثلث الإيجابى على مستوى الوعى بأبعاد القضية الوطنية ، فهى أيضاً أضعف شخصيات المسرحية من حيث الكتابة الدرامية ، حيث يأخذ الباحث على الكاتب عدم وعيه الكافى بأبعاد هذه الشخصية التى أثقلت بكم من التناقضات يبعث على الحيرة والارتباك حول دوافعها الحقيقية للزواج من "عزيز" والتى اختلفت وتناقضت فى أكثر من موضع ، وعلى لسان ذات الشخصية خاصة فى نهاية المسرحية ، فبعد أن أقنعتنا زبيدة تحت ضغط "عم وديع" بأن الدافع الحقيقى من وراء زواجها بعزيز باشا هو كسب الأمان النفسى والمادى أولاً وأخيرا ، فنجدها وقد تناست هذه الدوافع فى مواجهتها الأخيرة لعزيز ، بل وتنكرها فى ثبات وثقة نادرين .

"زبيدة : الحقيقة أنى أجوزتك مش عشان جاهك ولا مالك ولا سلطانك .. عمرى ما
طمعت فى ده ولا بصيت ليه ولا كان بالنسبة لى يعنى أى شيء (هازئة)
ولا أجوزتك طبعاً عشان رجولتك ." (84)

ومع ذلك تظل زبيدة وسط هذه الأحداث ضحية لظروف اجتماعية جائرة أعمت عينيها عن أهداف أسمى من تلك التى سعت وراءها أملاً فى تحقيق مكاسب شخصية .

ويشكل "خميس" (جرسون الصالة ) الضلع الثالث من أضلاع المثلث الإيجابى ، حيث يرفض أن يقف دوره على خدمة رواد الصالة من طبقة الإقطاعيين والملاك ، ونزع الضحكات من أفواههم بتقديمه للاسكتشات الفكاهية، ويبحث لنفسه عن دور أخر من أجل مقاومة العفن والزيف والفساد ، فنراه وقد أقتحم قصر العزيز لإنقاذ زبيدة من براثن الباشا.

"وديع : خميس بلاش تتهور .. أنت مش أد الناس دول .

خميس : قدهم وقدود .. وكلمة الحق لازم تبان .. هو صحيح يوسف أفندى
وجماعته ما خدونيش معاهم .. لكن أنا لو كانوا خدونى كانوا شافوا أنا
حعمل إيه ياللا يا زبيدة .. أنت ما كنش ليكى فى الهوا المعفن ده ."(85)

وتكتمل أضلاع المثلث الإيجابى بعم وديع الشاعر الشعبى الذى يكتب المونولوجات التى تغنى فى الصالة ، والذى تكفل بتربية "زبيدة " بعد مصرع والدها الذى كان صديقاً حميماً له، وهو يرفض أن يمدح بشعره الباشا والإنجليز ويفضل أن يموت جوعاً على أن يذل قلمه لخائن أو محتل ، وهو يلعب دوراً هاماً فى نهاية المسرحية كرمز للاستنارة وإيقاظ الوعى المجتمعى لتثويره ضد رموز الفساد .

"وديع : مين النهاردة يا أخوانا بيحاكم مين ، وألا هو الزمن يا أخوانا بقى
بالمقلوب .. مين اللى لازم يقف ورا القضبان الباشا .. عارف .. فهمى ..
الباشا اللى داس على ابنه ومراته والبلد بحالها .. ولا بتاع الكبدة اللى
أصبح فى غفلة من الزمان بيه بيتحكم فى العباد ، ولا فهمى الخدام اللى
أدوله فرصة يدوس على رقاب الناس ؟! ويتحكم فى مصير أطهر خلق الله
.. عايزنى أقول ؟ ما هو أنا مش قادر أقول .. ما هو أنا لو كنت قلت من
زمان كنت غيرت نظام الكون .. كان طلع مليون يوسف يطهروا الحياة
من كل الأثام .. ما هو أنا لو كنت أقدر أقول ماكنش يوسف وزبيدة
النهاردة بيتحاكموا واللى بيحكم عليهم حر طليق قاعد على كرسيه
مجعوص كأنه ملك الزمان ! لكن أنا مش قادر أقول .

خميس : لا يا عم وديع أنت قلت .. قلت كل حاجة .. والحق دلوقتى بان ." (86)

أما شخصية "يوسف " فتشكل نقطة التماس بين المثلثين المتناقضين ، فقد حاول يوسف تخطى واقع الحياة المفروض الملىء بشتى ألوان الفساد " ففى هذه المسرحية جعل "سرحان" " يوسف هو المنقذ لمصر من مستغليها ( الملك ـ الباشا ـ الإنجليز وأعوانهم ) كما كان سيدنا يوسف عليه السلام هو المنقذ لها قديماً من خطر المجاعة ، ولكنه فى هذا النص يخرج أيضا من الإطار التاريخى بصورة تجعله أكثر تعانقاً مع الواقع " (87) الذى يسعى إلى تغييره استناداً إلى مفاهيم الحرية والعدالة الاجتماعية ، وتحقيق المساواة بين البشر .

"عزيز : وكل الدوشة دى عشان إيه ؟

يوسف : عشان فى يوم من الأيام يتحقق الحلم .. تتحقق المعجزة على الأرض .

عزيز : (يصيح فيه ) المعجزة الوحيدة على الأرض أن الإنسان يصحى كل يوم
الصبح يلاقى نفسه لسه عايش لسه بيتنفس بيتحرك بيسمع بيشوف .

يوسف : الإنسان أتخلق لغاية أسمى بكتير من مجرد البقاء على قيد الحياة ..
أتخلق علشان يكون له رسالة .

عزيز : وآيه بقى الرسالة دى أقدر أعرف ؟

يوسف : إنه يحقق حلم البشرية فى العدل والحرية ." (88)

فقد آثر يوسف أن يدفع نفسه دفعاً للتخلص من تعنت طبقته المنتسب إليها بالتبنى ، للعودة إلى أصله والدفاع عن طبقته ، من خلال الدفاع عن وطنه ، حتى ولو تحقق ذلك على حساب من تبناه ورعاة ، فى صالح من تعاطف معهم . وبهذا يكون قد وصل إلى درجة من المثالية التى تصنع الوطن فوق كل اعتبار ، ولو كان قتل الأب ولا تخصى فى مواجهة الظلم شيء ولو كان الموت نفسه .

عزيز : أقعد بس .. أهدى .. (يشعل سيجارة ) عايز تموت ليه ؟ أفهم الأول .

يوسف : (بحماس ) عشان ده قدرى .. وأنا اللى اخترته اخترت الاستشهاد من أجل
فكرة .. هدف عظيم عشت وصمدت من أجله .

عزيز : الرصاصة دى مش كان ممكن تيجى فى أنا .. يعنى هدفك العظيم أنك تقتل
أبوك ؟

يوسف : مش أنت نفسك .. النظام اللى بتمثله .. اللى أنت جزء منه " ( 89)

ومنذ اللحظة التى اغتال فيها يوسف الكولونيل الإنجليزى تحول ـ شئنا أم أبينا ـ إلى مجرم إرهابى ينتمى وفقاً لنظرية ميرتون إلى نمط الانحراف المتمرد ، حيث يسعى البطل إلى خلق بيئة مناسبة لتحقيق أهدافه ، ولهذا يرفض الأهداف العامة للنظام ، ويرفض الوسائل التى يرتضيها المجتمع لتحقيق هذه الأهداف ، ويقوم البطل بمحاولة لتغيير الأسس الفكرية لمجتمعه، ويطرح أهدافاً ثقافية جديدة ، ويطرح أيضا مجموعة من الوسائل والمعايير الجديدة لتحقيق هذه الأهداف ، "فالبطل المتمرد يثور على فرضيات تبدو له باعتبارها نوعاً من التجديف العقلى ، وتعكس الخلل فى المنظومات الاجتماعية داخل المجتمع الذى ينتمى إليه ، والتغيير هذا له حيثياته استناداً إلى قناعات البطل ، وتصوراته الفكرية التى تقوم على منطق عقلى ناقد فى مواجهة فساد الحاكم وضلالاته التى تسعى إلى تكبيل حرية الإنسان وسلب إرادته " (90)

"زبيدة : خسارة أن اللى زيك يموت !

يوسف : لأ مش خسارة .. الخسارة أننا نسمح لكل الفساد والعفن يعيش وسطنا ..
نسمح للسرطان بأن يستشرى فى جسم البلد شوية شوية وإحنا نايمين ..
وفجأة نصحى نلاقى فات الأوان .. نلاقى البلد جسد شائه غريب أكل
خلاياه السرطان .. وما فيش قدامه غير انتظار الموت .. أنا بموت عشان
من جسدى تنبت شجرة الحياة ." (91)

ومن هنا تنطلق دوافع يوسف البعيدة تماماً عن الذاتية ، والمرتكزة على وعى حقيقى بهموم الواقع المعاش وسط الهبوط المشين لمنظومة القيم والمعايير فى ظل الفساد السياسى القائم .
وفى إطار تحليلنا لشخصية المجرم فى هذا النص يجب التمييز بين الإرهاب الفردى والإرهاب السياسى ، إذ ينطلق الأول من دوافع فردية وشخصية ، ويستغل وسيلة العنف للكسب الشخصى ، أو لتحقيق ثروة ، أو الانتقام ، أو الاستيلاء على السلطة ، وهو عمل إجرامى محض ، وهو ما يمثله "برهام" فى نص " أمير الحشاشين " للكاتب "محمد أبو العلا السلامونى "، بينما يرتكز الثانى على معطيات اجتماعية وسياسية ، ويرمى إلى بلوغ هدف سياسى يتعلق بحياة الجماعة أو المجتمع ، كما هو الحال فى شخصية "يوسف" فى نص " سمير سرحان " .
فالمجرم هنا يختلف عن غيره من المجرمين الإرهابيين من حيث أن حافزه على ارتكاب الجريمة يتضمن الشعور بواجب ارتكابها ، وهو يسلك هذا النحو وفقاً لنظام معين من القيم التى يؤمن بها والتى يعتبرها أعلى من القيم التى يتضمنها القانون الوضعى المطبق." (92)
ويحذر النص من الخلط بين الإرهاب من جهة والمقاومة الشرعية من جهة أخرى ، حيث يتجاهل الكثيرون الواقع الذى يحتم عليهم مراعاة الفروق الجوهرية بين الأعمال التى تشكل إرهاباً ، وبين نضال الشعوب فى سبيل الحرية والاستقلال ، فالإرهاب يمارسه أشخاص خارجون على القانون والشرعية ، بينما تتولى المقاومة المشروعة جماعات ومنظمات تدافع عن أراضيها وحقها فى الحرية وتقرير مصيرها ، " وهو حق مشروع ومقبول فى كافة أحكام ومبادئ القانون الدولى ، باعتبار أن مبدأ حق الشعوب فى مقاومة الاحتلال من أجل التحرر يشكل أحد الأهداف الرئيسية للأمم المتحدة ." (93)

"زبيدة : لكن أنت حتفضل .. زى العسكرى الإنجليزى بالضبط .

يوسف : أنا مش بقتل .. أنا بنفذ حكم الإعدام فى أعداء البلد .. الإنجليزى اللى قتل
أبوكى كانت قضيته إيه ؟ أنا بقتل عشان قضية ." (94)

فالنص يشير إلى أحد المعايير الموضوعية واضحة المعالم للتمييز بين الإرهاب والمقاومة المشروعة ، باعتبار الدافع الوطنى الذى تعمل فى سياقه حركات التحرير الوطنية كمعيار للتمييز بينهما فأفراد المقاومة يحملون قضية مفادها تخليص أراضيهم من براثن الاحتلال ، بينما يمارس العدو العنف غير المبرر فيقتل الأبرياء ، ويقاتل فى أرض ليست له ويطمح فى السيطرة عليها واحتلالها ، ويختلف الأمر فى عمليات الاغتيال الداخلية للقيادات الحاكمة والمسئولة داخل الدولة ، والتى تعتبر من وجهة نظر بعض الجماعات ذات توجهات جائرة وفاسدة ، لذا تصدر الأوامر لتصفيتها ، والتخلص منها ، كما حدث فى عملية اغتيال السادات ، فلا شك فى أن مثل هذا النوع من الاغتيالات مُجرّم قانوناً وغير مشروع ، خاصة فى ظل وجود العديد من القنوات الشرعية التى تتيح المجال لإمكانية التغيير والإصلاح كما يحمل النص إشارة ضمنية إلى أن ظاهرة العنف والإرهاب قديمة فى المجتمع المصرى وهى ليست بالحديثة ، ولكن فى الماضى كانت معظم أعمال العنف موجهة قوات الاحتلال الخارجى، والمستعمر البغيض الذى كان يحاول جاهداً ممارسة كافة أنواع الفساد والهيمنة والتنكيل بالمواطنين ، ولهذا كانت ممارساته تواجه بالعنف كرد فعل طبيعى ، ومن أجل هدف وطنى قومى ، على العكس تماما عما يحدث على الساحة فى السنوات الأخيرة من خلط وتزييف لكافة الأمور والحقائق .
وتأتى النهاية مغايرة لتطور أحداث المسرحية ، وتصاعد درجات الوعى لدى أبطالها ، حيث أن الانتصار الزائف الذى حققه الباشا على حساب تسخيف وتهميش كل قيم البطولة والمثالية والبراءة وتحويلها إلى صالح ألاعيبه القذرة ، قد تسبب فى انسحاق يوسف ، وشعوره بأنه قد بلغ النهاية التى لا يستحقها ، والتى ساقه إليها فساد مجتمع لا يقيم وزناً للقيم والمعايير ، حيث أنكر الباشا عليه أن يموت فى سبيل قضية وطنية ، فلوث كيانه وشرفه أمام رفاق المقاومة ، وسلبه لحظة البطولة . وعندما رفض أن يخون الباشا فى عرضه ، وصمد أما إغواء زوجته سلبه لحظة الطهر والنقاء ، "ومن هنا شعر يوسف بأنه قد قضى علية معنوياً ، ولم يبقى له إلا أن ينتهى جسدياً ، ولكن يوسف أصبح أعجز من أن يقوم بهذا فيسلم مسدسه لعم وديع عساه يقوم بهذه المهمة ." (95)

"يوسف : ما بقاش فى غير حل واحد يا عم وديع .

وديع : (يطرق رأسه ) أنا عارف !

يوسف : تجرؤ يا عم وديع ؟ تجرؤ ! أنا مش جايالى الشجاعة .
(يوسف يخرج المسدس ـ يعطيه لوديع )

زبيدة : يا ربى .. دا شيء فظيع .. فظيع !

يوسف : يا للا يا عم وديع .. أنت جواك بطل ." (96)

وتنطلق رصاصة عم وديع ليتحول معها "يوسف " من بطل ثائر متمرد إلى شخصية انسحابية هروبية،" فهو قد فشل فى تحقيق أهدافه سواء بطرق مشروعه أو غير مشروعة، ومن ثم قد أشتبك فى صراع نفسى لا يفضى ـ من وجهة نظره ـ إلا بالتخلى عن الوسائل والأهداف معاً ، والانعزال عن المشاركة فى الواقع الاجتماعى لرفضه لقيم النسق السائدة."(97)
فقد عايش " يوسف " حالة من حالات الهروبية نتيجة إحساسه المتزايد بالإحباط ، دفعته إلى التفكير فى الانتحار .
وإذا كانت هذه النهاية لا تتفق مع الشريعة الإسلامية التى تحرم قتل النفس إلا بالحق، ولا تتفق مع قيم البطولة والوطنية التى كانت مسئولة عن تحفيز "يوسف" للفعل والمبادرة ، كما لا تتفق مع ملامح شخصيته التى تتسم بالصلابة والثبات والشجاعة إلا أنها كانت بمثابة طلقه تحذيرية للفت الانتباه إلى خطورة انسحاق قيم المثالية والوطنية أمام طغيان الفساد والانحلال الخلقى والسياسى . والدعوة إلى رفض واستنكار النظم الجائرة السائدة من خلال تعريتها وفضحها ، وإطلاق دعاوى التثوير ضدها، لذا فنحن نقبلها كفكرة درامية ولا نقبلها كحل واقعى.

ابراهيم حجاج
مدرس مساعد
كلية الآداب 

المسرح المصرى وظاهرة التطرف الدينى

بلغت مؤامرات التطرف والإرهاب الدينى فى مصر معدلات غير مسبوقة خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين ولم تعد هذه الظاهرة مجرد تهديد للدولة والنظام الحاكم ، بل أصبحت تهدد المجتمع المصرى كله ، سواء فى بنيته الداخلية ، أو فى اقتصاده ، أو أمنه الاجتماعى والسياسى ومكتسبا ته الثقافية والفكرية وكذلك إنجازاته الاقتصادية والمادية . ولا تقل الحرب التى يشنها المتطرفون والإرهابيون ضراوة عن أى حرب خاضتها مصر مع أعدائها الخارجيين فى هذا القرن . بل ربما كانت هذه الحرب أشد ضراوة ، لان أحد أطرافها هم أبناء لنا ، أعماهم التطرف ، فاختاروا العنف سبيلاً لفرض إرادتهم وزعزعة استقرار المجتمع ، واستهدف عنفهم أبناء لنا فى أجهزة الأمن ، أو اخوة لنا من المدنيين المسالمين العزل ، مسلمين وأقباطاً .
وكلما مرت السنوات ، وظن الناس أن هذه الأزمة قد انتهت بالإجراءات البوليسية العنيفة وحدها ، إذا بها تعود مرة أخرى فى ثوب جديد وشكل جديد ربما كان أشد عنفا واكثر تنظيماً ، وذلك لان العلاج كان دائماً يتناول الشكل دون الجوهر ، ويتخذ جانب رد الفعل المؤقت بدلاً من الحلول الدائمة والجذرية ، ويستخدم المواجهة الشرطية والسجون والمعتقلات بدلاً من أن يغوص النظام الحاكم فى أعماق المشكلة ويحاول إيجاد الحلول الجذرية لها .
ولا يختلف أحد فى أن الفن بروافده المختلفة وعلى رأسها المسرح يحمل مع سائر مؤسسات المجتمع مسؤولية كبرى فى تزكية القيم اللازمة للحفاظ على تماسك المجتمع وسلامته واستقراره ، كما تقع على عاتقه مسؤولية مماثلة فى تخليص المجتمع من القيم التى تهدد هذا التماسك وذلك الاستقرار ، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الفن والأدب من أدوات الضبط الاجتماعى ، وإذا كانت قضية الإرهاب ، والعنف بصوره ودوافعه المختلفة قد شغلت السياسة والمفكرين والمسؤولين عن أمن المجتمع ، ولا تزال تشغلهم جميعاً فقد شغلت أيضاً كتاب المسرح ، وعلى رأسهم الكاتب " محمد سلماوى" الذى أكد من خلال مسرحية " الجنزير" رسالة المسرح التنويرية بوضع ظاهرة الإرهاب المقنع بالدين تحت بؤرة الضوء الشديد لتكون " أول عمل مصرى إبداعى يتصدى للإرهاب فقد كتبت عام 1991 ، ونشرت عام 1992 قبل أن تصبح الكتابة عن الإرهاب طرازاً مألوفاً ، أو حتى مقبولاً من الأجهزة الإعلامية والثقافية فى مصر ، ولذلك تحمل المسرحية علامات البداية بالمعنى الذى ينطوى عليه رد الفعل الإبداعى الأول إزاء ظاهرة هى نقيض الإبداع والحياة على السواء " (7)
وقد أخذ " سلماوى" بتلابيب اللحظة التاريخية التى يمر بها الوطن دون أن يسمح لنفسه ـ شأن غالبية المبدعين ـ برفاهية الانتظار حتى يتحقق بعد زمنى كاف يتيح له تأمل القضية عن بعد قبل تناولها درامياً " (8)
تدور أحداث المسرحية حول "زهرة" ربة المنزل التى تصطحب إلى منزلها فتاة منقبة قابلتها بالصدفة فى الطريق حيث كانت تشير بيدها لأى سيارة ملاكى لتوصيلها على طريقة (الاوتوستوب) ، وتقف "زهرة" بسيارتها لهذه الفتاة ، التى ترى فيها صورة ابنتها "نرجس" التى رافقت زوجها إلى السعودية ، حيث يعمل ، ولبست النقاب أيضاً حسب عاداتهم . ومن فرط طيبة المصريين تستضيف "زهرة" هذه الفتاة فى منزلها أمله أن تقيم حواراً معها كى تفهم ما يدفع فتيات هذا الجيل إلى النقاب . ومن خلال مونولوج طويل تبدأ "زهرة" فى الحديث عن حياتها الخاصة ، حيث تعيش مع والدها المقعد الذى جاوز الثمانين من عمره ، ولازال يعيش على ذكريات ثورة 19 والوطنية المحبطة تحت وطأة الاستعمار الإنجليزى والبوليس السياسى ، وزوجها المتوفى الذى كان من كبار مهندسى السد العالى رمز الوطنية والثورة والكرامة ، وابنها "أحمد" الذى ضاع بعد وفاة الأب الناصرى وجرفه تيار الإدمان ليعيش تائهاً بلا هدف أو حلم أو قضية ، ونقيضه الابنة الصغرى "ياسمين" سراج الأمل الوحيد فى الأسرة ، والتى تدرس تاريخ مصر وآثارها العظيمة ، وتبحث عن الجذور الأصيلة لهذا الشعب الأصيل . وتفاجأ "زهرة" بأن الفتاة المنقبة ما هى إلا أحد الإرهابيين المتنكرين فى هذا الزى ، ويخرج "محمد" الشاب الإرهابى من وراء ذلك النقاب الأسود حاملاً مسدساً يهدد به صاحبة البيت ، وينتهى به الأمر إلى تقييدها بجنزير حديدى _ فى أحد الكراسى _ رغم توسلاتها وتوسلات أبيها الشيخ المقعد المريض الذى لا يكاد يسمع أو يرى. وتبدأ المواجهة الحاسمة فى مسرحية "الجنزير" منذ اللحظة التى يجتمع فيها شمل الأسرة الجد والأم والابن والابنة الصغرى فى حضور الإرهابى الذى يحتجز الجميع لحساب إحدى الجماعات الإرهابية التى يأمل أن يقبله أميرها عضواً فيها ، ثم يتصل بمكتب وزير الخارجية ليخطره بأنه _ بناء على تعليمات أميره _ يحتجز أسرة بأكملها، ويهدد بقتل أفرادها جميعاً إذا لم يتم الإفراج عن سبعة عشر إرهابياً متورطين فى قضايا أمن دولة . وإذا به يحول المنزل إلى زنزانة محاطة بالجنازير التى أغلقت الأبواب والنوافذ ، وبصرخات التحريم والتكفير التى أغلقت الراديو والتلفزيون ومنعت الحصول على الجرائد . وحين تفشل المفاوضات بين الإرهابيين والشرطة ، يطلب من الإرهابى اغتيال أحد أفراد الأسرة فى تصاعد يراد به إرهاب قوات الأمن ، فيعلن كل واحد منهم استعداده للتضحية بنفسه فى سبيل الباقين ، وهنا يبلغ العمل الأدبى ذروته ، فتزول الغشاوة عن عين الإرهابى ويرفض تنفيذ تعليمات أميره ويعلن انه كان مضللً وانه اكتشف فى سلوك تلك الأسرة المصرية رمزاً للقيم الأصيلة التى تعبر عن الإسلام الصحيح ، خاصة بعد تعايشه معها واقترابه منها . وتنتهى المسرحية بمواجهة عنيفة بين الإرهابيين ورجال الشرطة ، ويقتل "محمد" برصاص جماعته ، بينما تطلق "زهرة" صرختها المدوية "بلدى"
وقد تناول "سلماوى" الظاهرة من خلال عدة محاور بدأها بعرض لخطاب الإرهاب الدينى، وأساليب تنفيذه . " فمع مرور الزمن وضع قادة التطرف لأنفسهم فكراً خاصاً بهم يملونه على أتباعهم فى مساجدهم الخاصة فى الأحياء العشوائية وكأنهم جاءوهم بدستور قرآنى جديد . كل هذا فى غفلة وسلبية من أجهزة الدولة ووزارة الأوقاف والأزهر ، فبدءوا فى نشر أفكارهم وفتاواهم التى تتناول كل جوانب الحياة ، وتدعو إلى تحريم كل شىء من نعم الحضارة والحياة المعاصرة ، فالتلفزيون حرام والراديو حرام والتمثيل فى السينما والمسرح حرام ، وكل ما يتعلق بالمرأة حرام ، فصوتها عورة وتعليمها مفسدة ، ومصافحتها إثم ووجهها يثير الشهوة وعملها محرم مهما كان شريفاً ." (9)

وقد عكس " سلماوى" هذا الفكر فى مسرحيته من خلال شخصية "محمد" الإرهابى المتطرف الذى غيب عقله بأفكار جماعته المضللة ، فنراه وقد انقض على "زهرة" وأفراد أسرتها بمطارق الرفض والإدانة والتحريم .

" زهرة" : أنا أصلاً ما عنديش أى حاجة . قلت لك إنى بعت كل حاجة . تاخد
التلفزيون؟

محمد : ( يقذف فى غضب بإحدى " فازات" الورد على التلفزيون فتنكسر شاشته)
بدعة ! وكل بدعة ضلالة ! وكل ضلالة فى النار ! " (10)

وفى حواره الطويل مع " ياسمين" الابنة الصغرى لـ " زهرة" نرى مبدأهم التحريمى يفرض نفسه على كل مفردات الحياة .

" محمد : مكان المرأة فى البيت .

ياسمين : يعنى ما فيش شغل ؟

محمد : العمل فى المجتمع الكافر كفر .

ياسمين : طب والأولاد يروحوا مدارس ولا لأ ؟

محمد : مدارس الكفار لا تعلم إلا الكفر .

ياسمين : يعنى ما فيش تعليم كمان ؟

محمد : التعليم فى الجامع .

ياسمين : واللى عايز يدرس علم نفس ولا ذرة ولا موسيقى ولا ..

محمد : استغفر الله

ياسمين : من أبه ؟ من العلم ولا الذرة ولا الموسيقى ؟

محمد : العلم كله فى القرآن . " (11)

واستكمالاً لعرض دستور التطرف الدينى تعرض الكاتب لما قامت به هذه الجماعات من تكفير الحكومة والدولة بحجة انهم لا يحكمون بما انزل الله ، " حيث استندت جماعات التطرف الدينى فى تفسير النصوص القرآنية إلى المنهج الحرفى الذى يعتمد على انتقاء آيات وأحاديث معينة والتمسك المطلق بحرفيتها دون الالتفات للمقاصد العامة لها ، أو الأخذ بأسباب النزول ، أو معرفة بأصول الاستدلال اللغوى والفقهى . ومن هنا اعتبروا المجتمعات الإسلامية المعاصرة مجتمعات كافرة لأنها تحكم بقوانين وضعية ذلك استناداً لتفسيرهم للنص القرآنى (12)
" ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون " ( سورة المائدة ، آية 44) وقد تأكد هذا المعنى على لسان " محمد" حيث يقول :

" محمد : ما فيش مجتمع كافر ممكن يفيدنا فى حاجة

ياسمين : طيب أمال الحل إيه ؟ نبنى بلدنا ازاى ؟

محمد : يجب القضاء أولاً على المجتمع الكافر اللى إحنا عايشين فيه ده عشان
نقدر نبنى مجتمع الإسلام.

ياسمين : أنا لسه مش قادرة اقتنع ازاى الطريق للجنة يمر بالمسدس والجنزير

محمد : المسدس ده للكافر. حياة الكافر مالهاش أى قيمة . زيه زى الكلب ."(13)

وبناءً على هذا يجوز سرقة أموال الدولة الكافرة باسم ( الاستحلال) ، وذلك لتوزيعها على فقراء المسلمين (أى هم أنفسهم)

" محمد : ... فيه جماعة فى امبابة كانوا من الساعة سبعة بالليل يسلسلوا البيوت
كلها من برة بالجنازير علشان ما حدش يدخل ولا يخرج .

ياسمين : موش دول اللى كانوا بعد ما يحبسوا الناس فى بيوتهم يروحوا يسرقوا
الدهب من محلات الصاغة ؟

محمد : استغفر الله ده استحلال .

ياسمين : يعنى ايه استحلال ؟

محمد : يعنى طالما ده مال كفار يبقى مستحل لنا علشان نصرفه فى خدمة الإسلام

ياسمين : متهيأ لى أن السرقة مالهاش اسم ثانى السرقة سرقة . " (14)

كما يشير النص إلى الطاعة العمياء التى تستند إلى التبعية المطلقة لأمير الجماعة ، ودورها فى تدمير الشخصية وتأهيلها لتنفيذ ممارسات إجرامية مدمرة للمجتمع ، ومناقضة لجوهر الدين ومبادئه وتوجيهاته التى تجرى تلك الممارسات باسمها ، وتحت لوائها فى ظل حالة من تزييف الوعى وتغييب العقل .

" زهرة : ( تخفض صوتها قليلاً وتحاول أن تتمالك نفسها) أنا عايزة افهم دلوقت
أنت موقفك ايه بالضبط ؟ أنت مشترك فى عملية أنت مش عارف أى شىء
عنها،مين اللى مطلوب الإفراج عنهم دول؟ واللى حياتنا بقت رهينة علشانهم؟

محمد : سبق سألتينى السؤال ده وقلت لك ما أعرفش أنا بأنفذ الأوامر

احمد : هو بينفذ الأوامر

زهرة : طيب مين اللى اصدر الأوامر دى ؟

محمد : الأمير

زهرة : طيب ما تتصل بيه ونشوف ايه الحكاية ؟

محمد : معرفش طريقه . " (15)

ولم يكتف " سلماوى" بعرض خطاب التطرف الدينى من خلال مبادئه الثلاثة التحريم والتكفير والاستحلال ، بل القى الضوء أيضا على أساليب تطبيق هذا الفكر فى محاولة لكشف النقاب عن مبادئه المغلوطة . فهذا الإرهابى الذى يدعى الغيرة على الدين والأخلاق ليس إلا مخادعاً نذلاً لأنه تنكر فأخفى حقيقة وجهه ، ولأنه استغل طيبة امرأة بريئة متسامحة صدقت انه فتاة غريبة فى حاجة إلى العون فمدت يدها إليه . فى إشارة من الكاتب إلى أن " هؤلاء الإرهابيين مخادعون وليس لهم من جوهر الدين الأخلاقى نصيب ، ومن تنطلى عليه حيلهم السلوكية والمنطقية يصطلى بجحيمهم ويتورط فى تآمرهم . " (16)
كما كشف النص عن أسلوب العنف الذى تمارسه تلك الجماعات كوسيلة للدعوة إلى الدين ، أو الانتساب إليه ، والى أفكارهم المتطرفة التى تتنافى مع روح الإسلام دين الوسطية والسلام .

" محمد : .... وساعات كنا نكلم الحريم بنفسنا فى الشارع نقول للواحدة منهم لازم
تغطى شعرها واللى كانت ما بتسمعش الكلام كنا نرمى على رأسها مية نار!!!.

ياسمين : يا ساتر .

محمد : مرة تانية كان فى مسرحية فى الدقهلية رحنا ولعنا فى المسرح . بقت
حريقة . اللى كنا نسمع أن عنده فرح ابنه ولا بنته كنا ندخل عليه سبع
تمن رجالة كده نقوله مافيش رقاصة ما فيش زفة ما فيش مزيكة وإلا
بنهجم على الفرح نقلبه ضلمه "(17)

ومن البديهى أن فضيلة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على رأس الفضائل التى حضت عليها الشرائع السماوية بصفة عامة ، وشريعة الإسلام بصفة خاصة . والمتدبر للقرآن الكريم يراه قد سلك فى وجوب اعتناقها ، والمحافظة عليها والجهر بها أساليب شتى. فالخطاب الإلهى بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ليس موجهاً إلى الحاكم فحسب ، أو مقصوراً عليه ، وإنما موجه إلى كافة المسلمين كل فى حدود طاقته ومسئوليته . وكما ورد فى الحديث الشريف " كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته " ، فالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو فى الإسلام حق وواجب على كل فرد حاكما أو محكوماً إسهاما فى التغيير إلى الأفضل وصناعة التقدم المنشود ، كلٌ فى حدود قدرته واستطاعته شريطة أن يباشر ذلك بالرفق والتى هى أحسن ، وأن لا يتستر البعض باسم تغيير المنكر فيتخذه ذريعة لترويع الآمنين والاعتداء عليهم .
وهذا ما أكد عليه " سلماوى " خلال عرضه لاستراتيجية جماعات التطرف الدينى التى ظاهرها المقاصد الطيبة البريئة ، وباطنها النيات الإجرامية .

محمد : فيه حد يختلف على كلمة الله ؟

ياسمين : لأ ما أقصدش . لكن ممكن يختلف على الوسيلة هل هى اللين ولا العنف

محمد : اللجوء إلى العنف معناه أن كل الوسائل التانية فشلت .

ياسمين : أيوة لكن متهيألى من اللى أنا أعرفه ، ومن اللى قريته ، إن اللين جزء
أساسى من طبيعة الدين الإسلامى ، مش مجرد اختيار من الاختيارات .
موش ربنا قال : " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم
بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل سبيله وهو أعلم بالمهتدين "
مبدأ الرحمة ده أول حاجة تيجى فى مخى لما أفكر فى الإسلام . درجة
الرحمة فى الإسلام بتوصل إلى أن ربنا بيقبل توبة الإنسان بمجرد ما يتوجه
له بالتوبة بينه وبينه ، ومن غير وسيط ولا أمير . أنا كان نفسى أتناقش
معاك النهاردة على العشا لكن للأسف ما كنش فيه فرصه . يعنى إللى أنت
بتعملو فينا والرعب اللى أنت مسببه لماما ده يرضى ربنا ؟ " ( 18)

إن النص ينطوى على دعوة حقيقية للتأمل فى خطاب الدعوات الإرهابية المقنعة بالدين، وتجسيد ذلك الخطاب بما يضعه موضع المسائلة فى ذهن المتلقى الذى لا يمكن أن يستقبل هذا النص استقبالا سلبيا ، دون مشاركة فعلية بالرفض والاستنكار المستند على وعى بدلالات الأحداث ، وما تشير إليه من إدانة لتلك الظاهرة ، مما يسمو بالنص ليكون أداة من أدوات الضبط الاجتماعى ، ليس فقط بعرضه للممارسات الإجرامية لجماعات التطرف بقصد تعريتها ، ولكن لإشارته أيضا إلى نقائض هذا التطرف ، وإبراز سماحة الدين الإسلامى الذى يخلو من التعصب الجامد ، أو التطرف الأعمى الذى يؤدى إلى تساقط الضحايا الأبرياء ، "فقد ركز النص على أسلوب الموازنة بين لونين من ألوان التربية الاجتماعية ليضئ أمام المتلقى صورة للشخصية المصرية الطيبة السمحة الصادقة فى مشاعرها والمؤمنة بالله إيمانا فطريا بعيدا عن التحزب والتعقيدات النفسية والهوس السياسى والدينى ، وفى مقابلها صورة الشخصية المصرية المعقدة والمحملة بهموم عقائدية ، وسياسية ، وذلك فى سبيل إجراء موازنة بين توجهين بشريين فى حياتنا المعاصرة ، توجه خير متدين دون تحزب تمثله " ياسمين " ، وتوجه حديث التدين شديد التعصب يمثله " محمد " ، وذلك للكشف عن ظلام التطرف الدينى فى ضوء سماحة الإسلام ووسطيته . ( 19) كما يحذرنا النص من خلال تلك الموازنة من الخلط بين التدين والتطرف موضحا أن التدين يعنى الالتزام بأحكام الدين والسير على منهاجه ، وهو أمر مطلوب ومرغوب فيه ، ومحمود عند الله وعند الناس، ويعود بالخير والفلاح على أصحابه وعلى المجتمع طالما فى ظل إطار من الفهم الصحيح السديد ، أما التطرف فيعنى الإغراق الشديد فى الأخذ بظواهر النصوص الدينية على غير علم بمقاصدها ، وسوء الفهم لها . كما تؤكد البنية الفكرية للنص من خلال المناقشات الجدلية بين الإرهابى وأفراد أسرة زهرة على أن المتطرف والإرهابى وجهان مختلفان لعملة واحدة ، فالمتطرف يعتنق أفكاراً قد يكون أكثرها خاطئاً أو منحرفاً ، ولكنه يعتقد أنها هى الدين ولا شيء غيرها ، فإذا لجأ هذا المتطرف إلى استعمال العنف بحجة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فإنه يتحول إلى إرهابى حتى لو كان هذا العنف باللسان والكلام .
ولا يقف النص عند حدود الكشف والإدانة بل يتجاوزها محاولا النفاذ إلى أعماق الظاهرة من خلال المعالجة الموضوعية لأسبابها على مستوى الفرد ، وعلى مستوى المجتمع فمن المؤكد أن التطرف لم ينشأ اعتباطا ، وإنما له أسبابه ودوافعه المتعددة ، ومعرفة السبب غاية فى الأهمية ليمكن على أساسه معرفة وتحديد نوع العلاج . وفى نص "الجنزير" يرجع الكاتب ظاهرة الإرهاب والتطرف الدينى إلى تأثيرات المجتمع وأوضاعه ، واختلال النسق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كأسباب متشابكة ومتداخلة تعمل بأقدار متفاوتة ، وتؤثر أثاراً مختلفة فى توليد نوع من الإحباط واليأس والشعور بالفشل يقود فى النهاية إلى الخروج عن المجتمع واستخدام العنف ضده . وإيماناً من الكاتب بأن السلوك الانحرافى لدى الأفراد يرتبط ارتباطاً وثيقاً بظروف التنشئة الاجتماعية ، وأهميتها فى تشكيل سمات الفرد ، ويقدم لنا " محمد " الإرهابى فى شخصية مثقله بغياب الأم وتنكر الأب وقسوة الحياة ، مما أهله للوقوع فريسة سهلة تقتنصها الجماعة الإرهابية لتلعب دور الأم البديلة .

"محمد : أبويا وأمى أطلقوا بعد ما اتولدت على طول ومن يومها ما أعرفش طريق
أمى يبقى فين .

ياسمين : ما حاولتش تلاقيها ؟

محمد : حاولت كتير بدون فايدة كان نفسى يكون لى أم ذى بقية الأولاد . كنت
بحس باحتياج شديد أن يكون لى أم . كنت عارف أن لى أم لكن مش
عارف هي فين . موش عارف هى عايشه ولا ميته . المهم أن هى عمرها
ما حاولت تلاقينى . عمرها ما حاولت تشوف ابنها إللى سابته فى اللفة ده
جرى له إيه ؟ ومن وقتها عرفت قسوة الحياة . عرفت أن الحياة ظالمة
بتدى الناس اللى ما يستهلوش واللى يستاهلوا ما بتديهومش . " (20)

يشير النص من خلال الحوار السابق إلى ظاهرة التفكك الأسرى وأثرها السلبى على التنشئة الاجتماعية والثقافية لأفراد المجتمع مما يؤثر سلبا على سلامة البناء الاجتماعى . فالتنشئة غير السليمة تؤثر على تكوين الفرد النفسى والاجتماعى والثقافى وبالتالى على نظام تعامله مع الآخرين واتجاهاته ومواقفه من المجتمع ككل ومن شأن مجمل هذه العوامل أن تسهم فى خلق جو مناسب لنمو الاتجاهات العدوانية أو السلوك الانحرافى .

"محمد : أنا عمرى ما اتفقت مع أبويا . كنا دايما على خلاف من صغرى ، وبعدين
أول ما قدرت أقف على رجلى كل واحد رحل لحاله .

ياسمين : لكن ده أنت من عشر سنين كنت صغير قوى .

محمد : كان عندى 15 سنة .

ياسمين : وعملت إيه ؟

محمد : إتلطمت فى كل حتة شوية . اشتغلت فى فرن وبعدين صبى عجلاتى
وبعدين ميكانيكى وكهربائى لغاية ربنا ما هدانى . " ( 21)

وإذا كان التفكك الأسرى يعد عاملا من أهم عوامل الانحراف فإن التفاوت الطبقى والحرمان الاقتصادى يعدّ مصدراً رئيسيا للإحباط والإحساس بالظلم مما أدى إلى لجوء الشباب إلى هذه الجماعات كنوع من التعبير عن حالة عدم الرضا ، حيث أصبحت بالنسبة لهم بمثابة المنقذ بما تغدقه عليهم من أموال مقابل قيامهم بعملياتها الإرهابية فى الوقت التى تمارس فيه الدولة كافة صور العنف السياسى والاجتماعى .

"محمد : لو كان خطيبك ده عاش عيشتى كان بقى زيى . لو كان عاش حياة الفقر
والحرمان كان لازم حايرفض الوضع الفاسد اللى حواليه . خطيبك كان
بيسافر بره كل سنة لكن أنا موش عارف أعيش حتى هنا "(22)

ومن الملاحظ أيضاً ، أن معدلات الإحباط بين مجموعات الشباب التى غاب عنها الأمل فى مستقبل مهنى وأسرى قد زادت بشكل كبير ، مما ساعد على استقطاب الجماعات الدينية المتطرفة لأعداد كبيرة من هؤلاء الشباب ، وتحويل الإحباط من كونه ذاتيا إلى كونه اجتماعيا يأخذ شكل الرفض الاجتماعى ويعبر عن مضمونه فى صورة العنف .
إن الرؤية الفكرية للنص تؤكد على أن الضغوط الاجتماعية والاقتصادية هى المسئولة عما انتهى إلية "محمد" من رغبة فى الانضمام للجماعة الإرهابية التى هى _ فى تقديره _ الأداة الوحيدة القادرة على التغيير والتى تجعله صاحب موقف وصاحب رسالة فى مواجهة الضياع والفساد والظلم .

" محمد : وهى دى نقطة الخلاف بينى وبينكم . أنا رافض المجتمع ده ، وشايف إن
الإصلاح هو فى دولة الإسلام . " (23)

وقد تناول " سلماوى" من خلال اختياره لأسرة " زهرة" المجتمع المصرى مله بكافة انتماءاته ، " فالجد ينتمى إلى ثورة 1919 ، والأم تنتمى إلى ثورة 1952 أو ثورة السد العالى أما الأبناء فيمثلون الجيل الحالى الضائع بين الخيالات والأوهام وبين العنف والطاعة العمياء . " (24)

كما ركز " سلماوى" على التضاد بين " الفردوس الناصرى" المفقود الذى تتغنى به الأم بين الحين والآخر وبين " الجحيم اللاحق" فى بداية التحول الساداتى الذى اقترن بإجهاض المشروع القومى ، ذلك الإجهاض الذى تولد عنه الفساد السياسى والاجتماعى ، مما أدى إلى ضياع جيل الأبناء الذى وجد نفسه _ فجأة _ بلا هدف وبلا مضمون وبلا قضية ، فأصبح نصفه مضلل يمثله محمد ومن على شاكلته ، والآخر مغيب يمثله احمد ابن زهرة .

" أحمد : أنا ما ليش دعوة بالبلد . أنا بتكلم عن الذل اللى أنا فيه هنا ده . مافيش
فلوس ، مافيش مفتاح للشقة ، لحمة بالنعناع .

زهرة : ما هو لو كان أبوك عايش كان حايبقى لك دعوة بالبلد . أبوك كان راجل
وطنى أصيل (يسمع لحن بيانو) كان سبب نجاحه فى شغله إنه كان بيحب
مصر . ما كانش مجرد مهندس عظيم . كان قائد مؤمن ببلده وبقضيتها .
عرف ازاى يحرك كل الناس اللى معاه فى المشروع . خلالهم يحبوا البلد ،
ويؤمنوا بها زيه . كل العمال والمهندسين اللى نعاه كان عندهم ربنا فوق
وهو تحت . " (25)

لقد حملت شخصية الأب الراحل صفات " جمال عبد الناصر" فى تجسيده حلم المشروع القومى ومعناه . كما أوجد الكاتب مقابلة بين موتهما وضياع ذلك الحلم .

" زهرة : الله يرحمه . كان بيتصور إنكم حاتطلعوا بنفس الروح الوطنية دى . موش
فاكر لما اخدك وأنت لسه طفل صغير لأسوان وفرجك على السد العالى
وقال لك ده أكبر مشروع هندسى فى العالم ؟

احمد : لأ مش فاكر

زهرة : ساعتها قال لك السد اللى أنت بتبنيه لأزم يكون اكبر من ده . موش فاكر
لما كان فى أسوان ؟

احمد : ( بلهجة سودانية) فاكر يا اوسمان لما كنا فى اسوان ؟ لأموش فاكر

زهرة : يا خسارة

احمد : خسارة ليه . هو السد موش لسه موجود ولا خلاص هدوه ؟

زهرة : الجسم موجود . لكن المعنى .. الرمز .. " (26)

يؤكد النص على أن مشكلة ضياع جيل الشباب نتيجة طبيعية لغياب المشروع القومى وسط الردة التى أحدثتها مرحلة السبعينيات بكل تناقضاتها ، وكان من الطبيعى _ مع ضياع جيل الأبناء _ أن يبدو المدمن والإرهابى وجهين لعملة واحدة غارقة فى بحر التغيب مما يسهل إقامة مماثلة بين " محمد" الإرهابى المغيب بالفكر و"أحمد"ابن الأسرة المغيب بالمخدر.
لقد أراد "سلماوى" أن يوحد بين ظاهرة تفشى المخدرات بين الشباب فى بعض الأوساط، وبين ظاهرة تفشى التطرف بين الشباب فى أوساط أخرى ، ومنبع الظاهرتين فى المسرحية واحد وهو الالتجاء إلى الوهم هرباً من خواء الواقع وعجزه . (27)

"احمد : ... احنا الاثنين زى بعض . فاكر لما كنت بتقولى احنا الاثنين شققة .
احنا واحد . أنا ضايع وأنت كمان ضايع . " (28)

ويتضمن النص نمطين من أنماط الاستجابة الانحرافية _ وفقاً لنظرية ميرتون _ حيث تنتمى شخصية المدمن للنمط الانحرافى المنعزل الذى يتخلى عن أهدافه ، ويرفض الوسائل والمعايير التى يقرها المجتمع لتحقيق تلك الأهداف . وفى المقابل يضع تصوراً بديلاً لما هو قائم مفضلاً الهروب من الواقع والميل إلى الانعزال . أما شخصية الإرهابى فتنتمى إلى نمط المجرم المتمرد يتمثل هذا السلوك الانحرافى فى رفض الهدف والوسيلة ، والتمرد على النظام الاجتماعى القائم مطالباً بإلغائه ، باحثاً عن بناء اجتماعى جديد ، أو بناء يتميز بالتعديل الجوهرى ، حيث ينظر إلى المستويات القائمة باعتبارها تعسفية وغير متميزة بالشرعية ، ومن ثم يحدد ملامح بناء آخر بديل يصل إليه من خلال تنظيم الجماعات المتمردة .

" محمد : الفساد عم البلاد وما عدش ينفع معاه إلا البتر . " (29)

فالبطل المتمرد يدرك تماماً بأنه مدين للنظام الاجتماعى القائم بكل مظاهر شقائه اليومى، لذا فهو يعمل على توظيف كافة الإمكانات التى تتيح له الانتصار لتحقيق هدفه الثورى بنوع من الهجومية الحادة على المفاهيم السائدة والنظم القائمة . وهذه الهجومية تجعله بطلاً يرتفع على معانى الخير والشر لأنه يهتم _ من وجهة نظره _ بهدف أسمى وأنبل لم يتحقق فى ظل واقع اجتماعى فاسد واستلاب اقتصادى . (30)
وأحمد فى نص " سلماوى" هو خير مثال لشخصية الإرهابى المتمرد ، الذى يتمتع بأسلوب مغلق جامد التفكير ، وبعدم القدرة على تقبل أى معتقدات تختلف عن معتقداته ومعتقدات جماعته وعدم القدرة على التأمل والتفكير وإعمال العقل ، بل ورفض الواقع شكلاً ومضموناً والعمل على تغييره بأساليب عنيفة وعدوانية .
وقد تعرضت المسرحية لبعض النقد السلبى من حيث أن شخصية الإرهابى فيها مسطحة ومقولية ومتناقضة ، ولا تضيف شيئاً للصورة الصحافية أو الأمنية للإرهابى . (31)
ويدرأ الباحث عن الكاتب هذا الاتهام ، حيث يرى أن " سلماوى" قد تناول شخصية الإرهابى من وجهة النظر الإنسانية ، فبرغم الوجه العنيف المدمر للإرهابى إلا إنه فى نهاية الأمر إنسان، وإذا كان قد جاء إلى هذه الأسرة بوجه شيطان قنعته به الجماعة الإرهابية ، إلا أن وجهه الإنسانى الحقيقى قد بدأ فى الظهور مع أول شعور له بالأمان والحنان والدفء وسط هذه الأسرة . فشخصية الإرهابى تحمل صفة الإنسان بكل ما تحمله الصفة من متناقضات فهو تارة شديد القسوة والصرامة مجرداً من المشاعر الإنسانية ، وتارة إنسان طيب القلب رقيق المشاعر، وظهور عنصر التناقض فى بنية شخصية الإرهابى لا يعيب الشخصية بقدر ما يعتبر تحليلاً نفسياً صادقاً للشخصية الإنسانية فقد عاش " محمد" وسط أفراد هذه الأسرة وتعايش مع مشاكلهم وشيئاً فشيئاً شعر باقترابه منهم ، فإذا به يقوم بمعاونة الجد فى تناول الطعام ويحاول جاهداً إخراج الابن من حالة الإدمان التى سيطرت عليه ، ويتخذ من الابنة الصغرى مساعدة له فى الخروج من حالة التعتيم والتغييب التى تعرض لها .
كما يرى الباحث أن طبيعة الموضوع، وحيثياته تستلزم المباشرة والخطابية ـ نوعاً ما ـ خاصة أن المناقشة الجدلية القائمة بين الإرهابى وأفراد الأسرة يتخللها أحاديث نبوية وآيات قرآنية لا يستقيم معها إلا الأسلوب الصريح المباشر .
وقد تبنى الكاتب منطق الحوار العقلانى كحل لقضية الإرهاب فنجد الأم " زهرة" تجبر الإرهابى فى الفصل الأول _ وهو يهددها بالمسدس _ على أن يستمع إلى مناقشتها فى محاولة لإزالة الغشاوة على عينيه ، وفضح تصوره المشوه عن الدين والمجتمع .

" زهرة : ( تنظر إليه فى حنان ) انتم حيل غريب ، قافلين على روحكم الباب
بالضبة والمفتاح وبعدين بتشكو من الوحدة وقلة العطف والحنان ، انسى
الموقف القبيح اللى احنا فيه ده وافتح لى قلبك قلى تعبان من ايه ؟
( لا يرد عليها فتستمر فى النظر إليه قليلاً ثم تنهض من مكانها وتتجه إليه فى عزم وثبات)

محمد : حاتعملى ايه ؟

زهرة : حاجى اقعد جنبك

محمد : خليك عندك احسن لك

زهرة : حاقعد جنبك

محمد : أنا بحذرك

زهرة : حط راسك على كتفى يا ابنى وقل لى ايه مشكلتكم ؟ " (32)

وبرغم عدم استجابته لمنطق الحوار العقلانى هذه المرة إلا إننا نراه فى الفصل الثانى وقد اشتبك فى نقاش طويل يقبله راضياً مع الابنة " ياسمين" .

" ياسمين : أنا بادرس تاريخ مصر وحاسة إنى ممكن اعمل حاجة كبيرة فى المجال
ده، ولو إنى موش عارفة لسه هى ايه . جايز اشتغل فى ترميم الآثار

محمد : استغفر الله

ياسمين : ليه ؟

محمد : الآثار اللى بتقولى عليها دى أصنام وأوثان يجب تحطيمها

ياسمين : الآثار اللى العالم كله وقف قدامها مشدوه لازم نحطمها ؟ يا أخ محمد أنا
بقالى تلات سنين بادرس تاريخ مصر القديم على ايدين متخصصين
وحاسة إنى لسه برضك ما عرفش حاجة وفيه ناس بتقعد سنوات وسنوات
لغاية ما تاخد دكتوراه فقى الأدب أو الاقتصاد أو الفلسفة ازاى تلغى كل ده؟

محمد : اللى ربنا عايزنا نعرفه وضعه لنا كله فى القرآن

ياسمين : أمال قالوا اجتهدوا ليه؟ والرسول قال: اطلبوا العلم ولو فى الصين ليه؟" (33)

وقد أثيرت حول قضية الحل بمنطق الحوار جدلية واسعة النطاق " فهناك من يؤكد على أن أسهل الطرق للقضاء على موجة العنف والإرهاب هو طريق الحوار الهادئ بشرط أن تسبقه عدالة اجتماعية " (34)
وهناك من يرفضه بدعوى أن كثيراً منا لا يستطيعون رد مقولات الإرهابيين ، ولا تفنيد حججهم حول رغبتهم فى إقامة مجتمع إسلامى متدين ، وحول فساد المجتمع على كافة مستوياته ، وتدنى أخلاقياته .
وهذا ما أشار إليه " جابر عصفور" ، حيث يلفت الانتباه إلى أن الحوار مع الإرهابى فى نص " سلماوى" لا يدور بين أطراف متكافئة فى تضادها أو اختلافها ، أو حتى صياغة أفكارها ، وإنما يدور بين صيغ جاهزة لخطاب إرهابى شائع ، ونموذج إرهابى جاهز ، وصيغ مقابلة من خطاب وشخصيات لا تخلو من نمطية النموذج الجاهز ، ولذلك يبدو الحوار ، فى غير مشهد ، صيحات متبادلة ، خطابية استعدائية ، يبدأ من حجج الإرهابى وينتهى إليها . (35)
إلا أن الباحث يرى غير ذلك ، وبذهب إلى أن الرؤية الدرامية للنص تؤكد وجهة نظر مؤلفه فى أن علاج قضية الإرهاب لا يكون بالحل الأمنى وإنما بالحوار العقلانى _القائم على الحجة والبرهان _ الذى ساهم بقدر كبير فى عودة الوعى للإرهابى . ففى نهاية المسرحية، وبعد أن تفشل المفاوضات بين الإرهابى وجماعته ، وبين مكتب وزير الداخلية يتلقى أمراً من أميره بقتل أفراد الأسرة المحتجزين واحداً بعد الآخر ، وهنا يتبارى أولئك الأفراد فى التضحية بأنفسهم حماية للآخرين ، وذلك فى تعبير رمزى عن قيم الأسرة المصرية الأصيلة وما تحمله من معانى الحب والرحمة والتضحية . وهنا تأتى الذروة التى ينقلب فيها الإرهابى من حال إلى حال بعد أن هزمته المواجهة الفكرية والحوار المستنير ، فيرفض الانصياع لأوامر الأمير بالقتل ، ويعلن التحدى والعصيان فى نوبة من الاستنارة ، أدرك " محمد" خلالها أن الأسرة ليست عدواً له ، ولا عدواً للدين بل هى تملك من الفضائل ما يحلم هو بامتلاكه ، وتعانى من الآلام ما يعانيه . وهذا ما أكده الكاتب على لسان " محمد" فى حواره الهاتفى مع أمير الجماعة .

" محمد :... أنا عمرى ما كنت متأكد من حاجة فى حياتى قد ما أنا متأكد دلوقتى ..
متأكد من الصح والغلط . الأسرة دى أسرة مصرية عايشة حياتها الطبيعية
اللى فيها كل نقاط الضعف اللى ممكن توجد فى أى أسرة تانية . لكن فيها
كمان العظمة اللى لو اتوجدت فى كل أسرة تجعل مصر أعظم بلد فى العالم
.. نعم ؟ .. لأ موش فلسفة ولا حاجة .. أيوة فعلاً هو غسيل مخ . أنا مخى
أتغسل من كل الشوائب اللى كانت فيه وشفت أد ايه الحياة اللى ربنا منحها
لنا ، دى نعمة للعباد موش نقمة .. أنا جيت هنا قلبى مليان حقد و كراهية
العيلة دى ملت قلبى بالحب وكل المشاعر الإنسانية الجميلة .
أخ مصطفى أنا بتكلم علشان أقول لك حاجة واحدة بس . أنا موش حانفذ
الأوامر . (يضع سماعة التليفون ) " (36)

لقد زالت الغشاوة عن عينى "محمد" ، أدرك انه كان مضللاً ، وان هؤلاء الذين يكفرون المجتمع خدعوه لأنه لم ير فى هذه الأسرة أى ملمح من ملامح الكفر بل هم يتعاملون بيسر الدين وسماحته وعظمته وكان هذا الاكتشاف كفيل بتحوله عنهم . هذا التحول الذى كان فيه مقتله ، إذ ترسل إليه المجموعة الإرهابية من يغتاله ، ويقتل " محمد" برصاص الإرهاب بينما ترسل " زهرة" صرختها المدوية " بلدى" نداء إلى مصر لتحاجى أبناءها وتضمهم إلى صدرها فى حنان الأم حتى لا يقعوا فى براثن الإرهاب ، ويصبحوا الجانى والضحية معاً .
فالمسرحية دعوة لإدراك هذا الشباب المضلل الذى لو أتاحت له فرصة التوعية السليمة والحوار المستنير لاستعاد وعيه وعاد إلى حضن المجتمع المتدين السمح .
ويتوقف الباحث عند الصورة الرمزية التى قدم بها الكاتب المجموعة الإرهابية فى نهاية المسرحية ، ووصفه لهم بأنهم رجال تتدلى لحاهم على صدورهم يرتدون الجلابيب البيضاء والقباقيب الخشبية بعضهم يحمل الجنازير والبعض الآخر يحمل الخناجر والمسدسات . ويوافق الناقد " احمد كمال أبو المجد " فى أن رسم شخصيتهم على ذلك النحو الرمزى قد يترك لدى المتلقى تداخلاً بين ظاهرة التدين الذى تتزايد موجته فى مصر بشكل طيب وبين ظاهرة الإرهاب التى يتوجه النص إلى إدانتها ورفضها . " ويرى ضرورة تأكيد النص على إدانة الإرهاب والتحذير منه وكشف أسبابه مع بقائه فى الفكر والوعى والمشاعر ظاهرة متميزة تماماً عن ظاهرة التدين بكل مظاهرها وتعبيراتها ، فزى الإرهابيين فى مسرحية سلماوى قد يحيلنا إلى جماعة الاخوان، مما قد يثير الشك فى أن الكاتب يريد أن يقرن بين الارهاب والاخوان المسلمين، وهو أمر مغلوط وليس له أساس من الصحة فالاخوان جماعة اصلاحية شاملة تفهم الإسلام فهما شاملا وتشمل فكرتهم كل نواحي الإصلاح في الأمة وقد وصفها مؤسسها ومرشدها الأول "حسن البنا" على أنها
•دعوة سلفية، إذ يدعون إلى العودة إلى الإسلام، إلى أصوله الصافية القرآن والسنة النبوية، وهي أيضا
•طريقة سنية لأنهم يحملون أنفسهم علي العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلا
•حقيقة صوفية، يعتقدون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، وسلامة الصدر، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والأخوة فيه الله.
•هيئة سياسية، يطالبون بالإصلاح في الحكم، وتعديل النظر في صلة الأمة بغيرها من الأمم، وتربية الشعب على العزة والكرامة.
•جماعة رياضية، يعتنون بالصحة، ويعلمون أن المؤمن القوي هو خير من المؤمن الضعيف، ويلتزمون قول النبي: "إن لبدنك عليك حقًا"، وأن تكاليف الإسلام كلها لا يمكن أن تُؤدى إلا بالجسم القوي، والقلب الذاخر بالإيمان، والذهن ذي الفهم الصحيح.
•رابطة علمية ثقافية، فالعلم في الإسلام فريضة يحض عليها، وعلى طلبها، ولو كان في الصين، والدولة تنهض على الإيمان، والعلم.
•وشركةاقتصادية، فالإسلام في منظورهم يُعنَى بتدبير المال وكسبه، والنبي يقول: "نعم المال الصالح للرجل الصالح" و(من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفورًا له).
•كما أنهم فكرة اجتماعية، يعنون بأدواء المجتمع، ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها وشفاء الأمة منها. أي أن فكر الأخوان مبني على شمول معنى الإسلام، الذي جاء شاملاً لكل أوجه ومناحي الحياة، ولكل أمور الدنيا والدين.
وليس من المنطقى وصف جماعة كهذه بأنها جماعة ارهابية، وقد جاء هذا الخلط من خروج بعض الأفراد عن الجماعة وقيامهم ببعض الأعمال الارهابية بعيدا عن أهداف الجماعة ومنهجها. والدليل على دلك أنه عندما حلت الجماعة في أعقاب عودة مقاتليها من حرب فلسطين من قبل محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء المصري آنذاك، بتهمة "التحريض والعمل ضد أمن الدولة". تم اغتيال محمود فهمي النقراشي.وقد أدان الاخوان قتل النقراشي وتبرؤوا من القتلة بعدما قال البنا مقولته الشهيرة علي القتلة "ليسوا إخوانا، وليسوا مسلمين". وكان الذي قام بهذا العمل طالبا بكلية الطب البيطري بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة، اسمه "عبد المجيد حسن" أحد طلاب الإخوان الذي قُبض عليه في الحال، وأودع السجن، وقد ارتكب فعلته، وهو يرتدي زي ضابط شرطة، لهذا لم يُشَك فيه حين دخل وزارة الداخلية، وتربصّ بالنقراشي، لإطلاق النار عليه. وبعد اغتيال النقراشي بعدة أشهر، تم اغتيال مؤسس الجماعة حسن البنا.

وأخيرا يمكن القول بأن " سلماوى " قد واجه تلك الظاهرة بمباشرة تحسب له ، فقدم دراسة اجتماعية جاوزت سطح الظاهرة وحاولت النفاذ إلى أعماقها ، فهى لا تقف عند إدانتها أو السخرية منها ، وإنما تحللها للوصول إلى الأسباب وربطها بواقع اجتماعى ساعد بمساوئه ومفاسده على إبراز تلك الظاهرة وتربيتها 

ظاهرة الجريمة فى المسرح المصرى -رسالة ماجستير-


بقلم:ابراهيم حجاج مدرس مساعد بكلية الآداب كلية الآداب
تعتبر الجريمة بكافة صورها وأشكالها ظاهرة اجتماعية تعمل ضد المجتمع وتضر بمصلحة أفراده وقد كانت منذ أقدم العصور ، ومنذ بداية الحياة الإنسانية الأولى على وجه الأرض عائقا للتقدم ومصدرا لتفكك الحياة وفسادها بوجه عام ، فهى تهدم كيان المجتمع الأخلاقى والاقتصادى والأمنى ،وهى سلوك انسانى قبل أن تكون فكرة قانونية مجردة ، وبالتالى يتعين دراستها كواقعة مادية إنسانية وذلك بالبحث فى كافة دلالاتها الواقعية ودوافعها النفسية والاجتماعية، والاقتصادية، لمواجهة تلك الآفة الاجتماعية والعمل على الحد من انتشارها . ولإيمانى بالمسرح بوصفه أكثر الفنون التصاقا بالمجتمع وله دوره الريادى كمرآة عاكسة لقضاياه ومشاكله تناولت تلك الظاهرة فى رسالة الماجستير، للتأكيد على وظيفة المسرح فى تعميق الوعى بالممارسات الهدامة ، ومحاولة الوصول إلى إجابة لكل التساؤلات الآتية:
1ـ هل نجح المسرح فى ضوء علاقات التأثير والتأثر المتبادلة بين الفن والمجتمع فى رصد ظاهرة الجريمة بوصفها أحد الظواهر الاجتماعية التى طفت على سطح المجتمع المصرى فى العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين وهي الفترة محل الدراسة؟
2ـ ماهى الأسباب المؤدية للجريمة ؟ وكيف ساعد التطبيق الخاطىء لبعض القوانين فى انتشارها وتفشيها؟
3ـ إلى أى مدى نجح المسرح كأداة من أدوات الضبط الاجتماعى فى التصدى لهذه الظاهرة ؟
4ـ ماهو مضمون الخطاب المسرحى فى هذا المجال؟ وما هو حجمه وتوجهه؟
5ـ ماهى السمات العامة والملامح الخاصة لشخصية البطل المجرم فى الدراما المسرحية فى ضوء الاستجابات التى يبديها الفرد تجاه المعوقات الاجتماعية وفقا للنظريات الحديثة فى علم الاجتماع؟
وللاجابة عن هذه التساؤلات ، يقدم البحث دراسة تحليلية نقدية لعدد من النصوص المسرحية التى تناولت ظاهرة الجريمة خلال الفترة التى واكبت سياسة الانفتاح الاقتصادى مثل مسرحية" عالم على بابا " للكاتب " نبيل بدران" وتتناول جائم النصب والاحتيال والغش التجارى فى ظل التطبيق الخاطىء لقوانين الانفتاح، مسرحية " ع الرصيف " للكاتبة " نهاد جاد" وتتناول جرائم التزييف وتجارة العملة والتهرب الجمركى وسرقة الأعضاء البشرية، فى ظل سطوة أصحاب الياقات البيضاء ، مسرحية " المليم بأربعة" للكاتب "محمد أبو العلا السلامونى" وتتناول الممارسات الاجرامية لشركات توظيف الأموال، كما يتناول البحث جرائم الارهاب فى الدراما المسرحية ويقدم دراسة تحليلية نقدية لعدد من النصوص المسرحية التى تناولت ظاهرة الارهاب بأشكاله المختلفة خلال العقدين الآخريين من القرن العشرين مثل مسرحية "الجنزير" للكاتب "محمد سلماوى" وتتناول ظاهرة الارهاب الدينى، وترجعه إلى أسباب سياسية واقتصادية ،ومسرحية "أمير الحشاشين" للكاتب "محمد أبوالعلا السلامونى" وتتناول جرائم الاعتداء على السلطة، مسرحية" امرأة العزيز" للكاتب "سمير سرحان" وتتناول جرائم الاغتيال السياسى، كما يقدم البحث أشكال من التوظيف الرمزى لظاهرة الجريمة فى المسرح المصري وفية يتعرض الباحث الي محاولات بعض الكتاب لتناول ظاهرة الجريمة لابمعناها القانوني او الاجتماعي المتعارف عليه بل من خلال مدلول رمزي تعكس من خلاله سوءات المجتمع بهدف كشف زيفه وتعرية متناقضاته ووضعها أمام المتلقى موضع النقد والمساءلة وذلك من خلال ثلاثة من النصوص المسرحية هى، مسرحية "اغتصاب جليلة" للكاتب "يسرى الجندى" التى تتناول الاغتصاب ، ليس بعناه الفسيولوجى المألوف ولكن بمدلول رمزى حيث أن اغتصاب جليلة فى نص "الجندى" ماهو الا اغتصاب للوطن ، ومسرحية " فوت علينا بكرة" للكاتب "محمد سلماوى" والتى تنتهى بجريمة قتل لبطلها "أحمد" من قبل موظفى إحدى المؤسسات الحكومية وهى جريمة تشير بشكل رمزى إلى قتل البيروقراطية لمصالح المواطن المصرى ، ومسرحية "عفوا أيها الأجداد علينا السلام" للكاتب "نبيل بدران" وتتضمن العديد من الجرائم الفنتازية التى ترمز بشكل واضح إلى قضية غياب الديمقراطية ،وتكشف ادعاء حاملى راية السلام الزائف.
وقد توصل البحث إلى مجموعة من النتائج يمكن اجمالها فيما يأتى:
1ـ نجاح الخطاب المسرحى الذى طرحته مجموعة النصوص المسرحية فى الفترة محل الدراسة فى عكسه لقضايا المجتمع ومشاكله، وكشفه للعديد من المعوقات التى ساهمت فى زيادة معدلات الجريمة فى تلك الفترة منها: الفساد السياسى ـ غياب الديمقراطية ـ التفاوت الطبقى والحرمان الاقتصادى ـ التفكك الأسرى ـ روح الانسحابية وتخلى البعض عن أدوارهم فى معركة البناء نتيجة اندحار الحلم العربى بعد نكسة 67 ـ تورط بعض المسئولين فى الحكومة فى أعمال الفساد.
2ـ أثبت البحث امكانية دراسة ظاهرة الجريمة كموضوع فى الدراما وفقا للنظريات الحديثة فى علم الاجتماع وكذلك امكانية وصف شخصية المجرم وردود افعاله فى النص المسرحي فى اطار نظرية المعوقات الوظيفية حيث جاءت انماط المحجرم في النماذج الدرامية المختارة متوافقة مع الانماط التي تضمنتها النظرية والتى شملت نمط الانحراف الابتكاري نمط الانحراف المتمرد نمط الانحراف الانسحابى نمط الانحراف الروتينى
3ـ أكد البحث على دور المسرح باعتباره اداة من ادوات الضبط الاجتماعي ومن ناحية اخري اشار البحث الى الرؤي الفنية الجديدة في تناول ظاهرة الجريمة بعيدا عن مفهومها القانونى أو الاجتماعي المتعارف عليه وذلك لعكس قضايا سياسية او اجتماعية معينة من خلال مدلول رمزي. 

السبت، 12 نوفمبر 2011

إسلامى أم علمانى.....سلفى أم ليبرالى؟؟؟



 بقلم: إبراهيم حجاج مدرس مساعد بكلية الآداب ... قسم الدراسات المسرحية


  • إسلامي أم علماني ؟ سلفي أم ليبرالي ؟ سؤال يتردد هذه الأيام على وزن السؤال التقليدى أهلاوى ولا زملكاوى ؟ ومن جنباته يتفرع الحوار ويتشعب ليصل إلى ضرورة فصل الدين عن السياسة من جانب أو الى شعار الاسلام هو الحل من الجانب الآخر وتتعالى الأصوات التائهة بين ناري الدولة الدينية و الدولة المدنية لتتسائل أيهما المنهج الأفضل لحكم مصر فى الفترة القادمة؟ ووجهة نظرى المتواضعة فى هذا الموضوع تتلخص فى عبارة كتبها أحد شباب الثورة على أحد الجدران بالطباشير الأبيض فظهرت باهتة مشوشة بفعل عوامل المناخ ومع ذلك فهى تحمل الحل الأمثل لمشكلة حكم مصر فى الفترة القادمة والعبارة تقول: لا للإسلامية المتشددة المتطرفة ولا للإباحية العلمانية فلا ينكر أى مسلم أن الإسلام هو الحل ولكن كيف؟ بمواكبة روح العصر ومقتضيات التطور الاجتماعى وليس بالتخلف الفكرى والرجعية ، بالتمسك بكتاب الله والعمل بما فيه وليس العمل بأفكار وضعية أدعى اصحابها الآمارة وهم أبعد ما يكون عن شرع الله.. نحن نرفض حكم من لا يفهم الاسلام فهما صحيحا نحن نرفض العقول المتحجرة التى تعود بنا الى عصر الجاهلية نحن نرفض التصنيفات الوضعية فالاسلام لم يصنف المسلمين لأخوان وجماعة اسلامية وسلفيين كلها تصنيفات بشرية الاسلام برئ منها تصنيفات يعجزوا هم انفسهم عن توضيح الفروق الجذرية بينها وأظنهم بهذه المسميات يضعون اللبنة الأولى لتشتت المسلمين . ما معنى اخوان مسلمين ؟هل هم اخوان مسلمين ونحن غير مسلمين؟ أو على الأقل من لا يتبع منهجهم غير مسلم نرفض الاكراه فى العقيدة والعبادات 
  • عقيدتنا المستقاة من القرآن تقول:
  • ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
  • عقيدتنا تحكم العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين بآية قرآنية عظيمة جاءت في سورة الممتحنة:"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين.
  • هذا جزء من كل وسنحتاج لمئات الصفحات لنوضح ان الاسلام دين ودنيا ومن الملاحظ أن معظم المثقفين المسلمين يرفضون صعود التيار الاسلامى للحكم وانا ارى ان رفضهم ليس للاسلام فى حد ذاته وانما للشخصيات التى اقترنت صورها فى وجداننا عبر العصور بالارهاب والتشدد والتطرف فالخطأ ليس فى المنهج ولكن فى من يطبقه تطبيقا خاطئا لصالحه وللاسف يعتقد البعض وهذا سمعته بأذنى أن اول قرار سيتخذه رئيس من الجبهة الاسلامية هو حرمان المرأة من التعليم والعمل
  • لذا عليهم أن يمحوا هذه الصورة الشائهة ويقدموا لنا الوجه الصحيح للاسلام القائم على العدالة الاجتماعية والاخاء والتسامح ورفع المظالم وتقديس الحريات والعمل بمبدأ الشورى وغيرها من القيم التى نسبت إلى اتجاهات حديثة وهى فى أصلها أساس الاسلام أما طالبوا العلمانية فهم فئات بعينها الاشتراكيون وبعض الفنانين والمثقفين ومن هم على شاكلتهم من الشباب المغيب الذين يرون فى الاسلام تحجيم للابداع وان الصدق الفنى هو سفالة العرى الاخلاقى حتى أنى سمعت الناقد "طارق الشناوى" يقول فى أحد البرامج الفضائية : "انا لا أحرم مشهد اغتصاب له ضرورته الفنية فى فيلم مثل الكرنك" هل هذه هى العلمانية والليبرالية المنشودة ... فنحن نريد حاكم فى عدل سيدنا عمر ورحمة سيدنا عثمان ووفاء سيدنا ابو بكر وعقل سيدنا يوسف وأخلاق سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام واذا كان ذلك من رابع المستحيلات فيكفينا حاكم يتقى الله فى شعبه
  • سواء كان اخوانى ذو عقلية متفتحة يعمل بوسطية الاسلام او ليبرالى مسلم يدرأ الفاحشة عن شعبه.