الخميس، 26 يوليو 2012

أسباب التأييد الأمريكى لإسرائيل



اختلفت الآراء حول تحديد مبرر واضح ومحدد للتأييد الأمريكى للكيان الإسرائيلى فى المنطقة العربية، حيث يرجع بعض الباحثين هذا الارتباط الوثيق إلى دور اللوبى الصهيونى وتأثيره فى رسم سياسة الولايات المتحدة الخارجية المتعلقة بالشرق الأوسط "عن طريق تشكيل جماعات ضغط بالغة القوة، بوسعها أن تغير مجرى نشاط الساسة، وأن تتحكم فى الرأى العام، ففى الولايات المتحدة، يمكن للصوت اليهودى أن يمثل عاملا حاسمًا فى تحديد من يحصل على الأغلبية فى الانتخابات، والتى كثيرًا ما يكون الفوز فيها بفارق طفيف فى الأصوات نظر لتغيب عدد كبير من الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم"([1]).
ويضاف إلى ذلك القدرة على التأثير فى الرأى العام، وهو ما يؤكده "دالاس"، حيث يقول "إنى أدرك كيف يكاد يستحيل تنفيذ سياسة خارجية فى الشرق الأوسط لا يقرها اليهود بسبب سيطرة اليهود المروعة على وسائل الإعلام الإخبارية، وبسبب السور الذى أقامه اليهود حول أعضاء الكونجرس الأمريكى"([2])، وأضاف "دالاس" قائلا: "إن ما يقلقنى هو نفوذ اليهود الذى يطغى على ساحتنا بصورة تامة يكاد يستحيل معها على الكونجرس أن يفعل شيئًا دون موافقتهم، فمن خلال أصحاب النفوذ من الشعب اليهودى، تفرض السفارة الإسرائيلية على الكونجرس ما تريده"([3]).
بينما ينفى البعض الآخر هذا الدور، ويعتبره تفسيرًا تبسيطيًا مريحًا، حيث لا يمثل اليهود أكثر من 2.5% من سكان أمريكا، فى محاولة لإثبات فرضية جديدة تقضى بأن "الانحياز الأمريكى لإسرائيل هو انحياز أساسه لاهوتى فى المقام الأول، فالتوراة فى المعتقدات الأمريكية هى مصدر الإيمان ولغتها وخيالاتها وتوجيهاتها الأخلاقية وتشكل جزءا لا يتجزأ من الشخصية الأمريكية([4])".
فالتراث الديني في أمريكا أصوله من المذهب البروتستانتي الذي نشأ مع حركة الإصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر Martin Luther (1483-1546) في القرن السادس عشر ضد الكنيسة الكاثوليكية في روما.
لقد أحدثت حركة الإصلاح الديني تغييراً جوهرياً؛ بالمقارنة مع موقف الكنيسة الكاثوليكية في موقفها من اليهود؛ وبذلك أسهمت هذه الحركة في بعث اليهود من جديد وخاصة بعد أن "أصدر "لوثر" كتابه "عيسى ولد يهوديا" سنة 1523 وقال فيه إن اليهود هم أبناء الله وإن المسيحيين هم الغرباء الذين عليهم أن يرضوا بأن يكونوا كالكلاب التي تأكل ما يتساقط من فتات مائدة الأسياد. ويرى الكثير من الكتاب والمؤرخين أن هذه الفترة تعد الولادة الحقيقية والفعلية للمسيحية اليهودية، التى تقوم على تفضيل الطقوس العبرية في العبادة على الطقوس الكاثوليكية بالإضافة إلى دراسة اللغة العبرية على أساس أنها كلام الله. وتشير الكثير من المصادر التاريخية إلى أن رغبة "لوثر" الجامحة في إعادة الاعتبار لليهود و"تمسيحهم" كانت تعود لإيمانه العميق بضرورة وجودهم في هذا العالم تمهيدًا لعودة المسيح"([5]).
ويسعى أصحاب هذه الفرضية لتأكيدها بعرض حديث الرئيس الأمريكى "جيمى كارتر"(*) Jimmy Carter (1924-  ) حول الأساس اللاهوتى للتحيز الأمريكى الإسرائيلى والذى ألقاه أمام الكنيست الإسرائيلى بمناسبة توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فى مصر سنة 1979 حيث قال: "لقد آمن وأظهر سبعة من رؤساء الجمهورية أن علاقة أمريكا بإسرائيل أكثر من علاقة خاصة، فهى علاقة متأصلة فى وجدان وأخلاق وديانة ومعتقدات الشعب الأمريكى نفسه، إننا نتقاسم معكم تراث التوراة"([6]).
وقد كان "كارتر" صادقًا فى قوله حيث كان الرئيس الأمريكى "جونسون" "من ضمن قائمة الرؤساء المعجبين بإسرائيل وكان يسره أن يقول لهم "لقد انبثق دينى من دينكم"([7]).
ومع وجوب وضع السببين السابقين فى الاعتبار إلا أن الباحث، يميل إلى رأى ثالث أقرب إلى الواقعية والاعتدال، حيث يرجع التأييد الأمريكى لإسرائيل إلى أسباب استراتيجية تتعلق بحماية مصالح أمريكا فى المنطقة العربية، وهو ما تؤكده دراسة أمريكية رسمية ترى "أن إسرائيل مؤسسة عسكرية متطورة ومتقدمة وتمتلك قدرة أمنية جيدة بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجى، مما يساهم فى تحقيق الأهداف الأمريكية فى المنطقة، وهى ذخر وسند استراتيجى لأمريكا، فهى تقع على مقربة من الجناح الجنوبى لحلف شمال الاطلسى، وقريبة من الدول الصديقة لأمريكا، وعلى مقربة أيضا من المصادر النفطية فى الخليج، بالإضافة إلى امتلاكها وكالات استخبارات قادرة على تقديم مساعدة لمهمات عسكرية أمريكية"([8]).
ويرى الباحث أن هذا المبرر هو الأكثر منطقية وتمشيًا مع سياسة أمريكا البراجماتية، التى تتخذ من إسرائيل قاعدة عسكرية لحراسة آبار البترول العربية، ومواجهة النظم الثورية والاتحاد السوفيتى، بوصفها كيانًا مهيًأ تماما للدور الذى تريده وترسمه لها الولايات المتحدة من أجل حماية مصالحها، وتحقيق أهدافها السياسة فى المنطقة وهو ما يؤكده "وليام كوانت"  William Quant (مستشار الأمن القومى الأمريكى فى عهد الرئيسين نيكسون وكارتر) بقوله "من الواضح تمامًا أن الولايات المتحدة لا تنفق بلايين الدولارات على المساعدة العسكرية والاقتصادية لمجرد الشعور بالالتزام الأخلاقى تجاه إسرائيل، أو بسبب ضغط اثنين بالمائة من سكانها لابد أن هناك شيئًا أكثر واقعية ومادية، وهو أن إسرائيل يجب أن تكون مصدر قوة لأمريكا، ففى أسوأ الحالات تستطيع إسرائيل استخدام قوتها العسكرية لحماية مصالح الولايات المتحدة، لدرجة أنها قد تقدم القواعد للعمليات العسكرية الأمريكية أما فى الظروف الأقل إلحاحًا فقد كانت إسرائيل مفيدة كمعقل حصين ومعاد للسوفيت"([9]).
كما يدعم "شيمون بريز" Shimon Peres (رئيس وزراء إسرائيل السابق) هذا الرأى بتخيله لإسرائيل فى صورة رجل أمريكا فى منطقة الشرق الأوسط، وذلك من خلال شرحه لدورها فى رعاية المصالح الأمريكية حيث يقول: "تحقق الولايات المتحدة مزايا عديدة من دعمها الواسع لإسرائيل، فهزيمتنا لمصر أدت إلى تحويلها من حليف للسوفييت إلى حليف لأمريكا، كما أدى طردنا لمنظمة التحرير من لبنان إلى تدمير قاعدة مهمة للإرهاب الدولى.. ألا يخدم ذلك هيبة ومصالح الولايات المتحدة


([1]روجيه جارودى: الأساطير المؤسسة للسياسة الأمريكية، ترجمه محمد هشام، دار الشروق، القاهرة، 1998، ص 200.
([2]رضا هلال: المسيح اليهودى ونهاية العالم، المسيحية السياسية والأصولية فى أمريكا، مكتبة الشروق، القاهرة، 2002، ص 18.
([3]كامل كريم عباس: صورة الولايات المتحدة الأمريكية قبل وبعد احتلال العراق، دار الحنان للنشر والتوزيع، عمان 2010، ص76.
([4]المرجع السابق، ص76.
([5]رضا هلال: مرجع سبق ذكره، ص63.
(*)  امتدت فترة رئاسته من (1977 – 1981).
([6]المرجع السابق، ص19.
([7]إدوارد تيفن: مرجع سبق ذكره، ص67.
([8]هشام الدجانى: مرجع سبق ذكره، ص ص11، 12.
([9]المرجع السابق، ص12.

انعكاسات السياسة الأمريكية على خطاب النص المسرحي المصرى فى الفترة من 1970-2010



العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعرب علاقة قديمة مرت بالعديد من المراحل التى اعتمدت في المجمل على المصالح المشتركة وان ظل الانحياز الامريكي لإسرائيل عائقا امام تطويرها, وجاءت احداث الحادي عشر من سبتمبر لتزيد الهوة بين الجانبين و بين هذا وذاك العديد من المشاكل والقضايا التى تسببت في شقاق كبير في العلاقات وشكوك في النوايا الامريكية تجاه العرب، ويتشكل مسعى هذا البحث فى دراسة انعكاسات السياسة الأمريكية على خطاب النص المسرحى المصرى، مرتكزًا فى تحليله النقدى على منهج البنيوية التوليدية الذى حاول الجمع بين المضمون الاجتماعى للعمل الأدبى من ناحية، والقيمة الفنية لعناصره الداخلية من ناحية أخرى، بهدف الكشف عن إمكانات جديدة لفهم الخطاب المسرحى برؤية نقدية معاصرة، تصله بواقع اجتماعى ساهم فى إفرازه وإنتاج دلالاته.
وتكمن مشكلة هذا البحث فى الإجابة عن التساؤلات الآتية:
1- مااتجاهات السياسة الأمريكية فى ضوء علاقاتها مع العرب، وفقًا لنظريات علم الاجتماع السياسى؟
2- هل نجح منهج البنيوية التوليدية فى التعبير الأمثل عن العلاقة بين الأدب والمجتمع دون إغفال القيمة الفنية الداخلية للعمل الأدبى؟
3-  هل نجح كتاب المسرح المصرى فى ضوء علاقات التأثير والتأثر المتبادلة بين الفن والمجتمع فى رصد اتجاهات السياسة الأمريكية فى علاقتها مع العرب وتأثيراتها فى إدارة القضايا الراهنة؟
4-  ما مضمون الخطاب المسرحى فى هذا المجال وما  حجمه وتوجهه؟
5-  ما السمات العامة والملامح الخاصة للشخصية العربية والأمريكية فى نصوص المسرح المصرى التى تناولت العلاقات السياسية بين الطرفين؟
ويرتكز منهج البحث على الاتجاه الاجتماعى فى النقد )منهج البنيوية التوليدية(. كما تفرض طبيعة البحث الاستعانة بالمنهج التحليلى الوصفى.
وتأتى أهمية البحث فى محاولته تجميع أهم القضايا السياسية الشائكة فى إطار العلاقات الأمريكية العربية مثل(التأييد الأمريكى لإسرائيل: أسبابه ومظاهره- الشعارات الأمريكية الزائفة حول الحرية والديمقراطية- التدخل الأمريكى السافر فى شئون الدول العربية- دعم أمريكا للإرهاب الدينى المتطرف- الإدانة الأمريكية للعرب والمسلمين بعد حادث انفجار البرجين)، وانعكاسات كل هذه القضايا على خطاب النص المسرحى المصرى، بشكل شمولى فى مؤلف واحد؛ حيث خلت المكتبة المصرية من دراسة نقدية وافية حول هذا الموضوع، وجاء تعامل النقاد معها فى شكل مقالات نقدية متفرقة. 
وتأسيسًا على ما تقدم طُرحت الدراسة فى صورتها النهائية متضمنة أربعة فصول كالآتى:
الفصل الأول: بعنوان "الأسس النظرية للدراسةوقد حاول الباحث فى هذا الفصل عرض الأسس النظرية التى تستند عليها الدراسة، وذلك من خلال مبحثين قدم فى أولهما  مفهوم السياسة، وبعض المفاهيم المتعلقة بها، كالقوة والسلطة والردع والإرغام، وأهم المدارس الفلسفية لنظرية السياسة الخارجية، ثم تطرق إلى طبيعة العلاقات الأمريكية العربية – مجال الدراسة –.ومراحل تطورها
أما المبحث الثانى فقد تناول العلاقة الخصبة المتشابكة بين الأدب والواقع الاجتماعى، بدايةً من ارهاصاتها الأولى عند "أفلاطون" ، و"أرسطو" مرورًا بالتحليل الاجتماعى التقليدى للأدب فى ضوء نظرية الانعكاس وصولاً إلى منهج البنيوية التوليدية.
الفصل الثانى: بعنوان "قضية التحيز الأمريكى لإسرائيل وانعكاساتها على بنية النص المسرحى"، ويتناول هذا الفصل طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وانعكاساتها السلبية على القضية الفلسطينية، وذلك من خلال نص "ماذا حدث لليهودى التائه؟"، الذى استعرض فيه الكاتب "يسرى الجندى" دور الولايات المتحدة الأمريكية فى مساندة اسرائيل، وتأييدها لمشروع الكيان الصهيونى الغاصب، بما يتفق مع سياستها الواقعية القائمة على القوة والمنفعة الذاتية.          
الفصل الثالث: بعنوان "الحرية الزائفة فى ظل التبعية الأمريكية وانعكاساتها على الدراما المسرحية"، ويعكس هذا الفصل صورة للشعارات المزيفة التى تتشدق بها أمريكا فى المحافل الدولية حول الحرية والديمقراطية، وذلك من خلال نص "ماما أمريكا" للكاتب "مهدى يوسف" الذى أوضح فشل أمريكا فى إعلاء شأن الحرية وتدعيمها فى المحيط العربى، بما يتناقض مع ادعاءاتها الزائفة.
الفصل الرابع: بعنوان "ملامح السياسة الأمريكية بعد حادث سبتمبر وانعكاساتها على الدراما المسرحية" ويقدم الباحث فى هذا الفصل من خلال نص "الحادثة اللى جرت فى شهر سبتمبر" للكاتب "محمد أبو العلا السلامونى" انعكاسات السياسة الأمريكية بعد حادث انفجار البرجين فى الحادى عشر من سبتمبر- والذى كانت له انعكاسات سلبية - على منظومة العلاقات الأمريكية العربية.
 وقد توصل الباحث فى النهاية إلى مجموعة من النتائج يمكن إجمالها فيما يأتى:
1-    أوضح البحث من خلال عرضه لمراحل تطور العلاقات الأمريكية العربية، وآراء العديد من الباحثين والمؤرخين والساسة، أن السياسة الأمريكية الخارجية- عامة وفى علاقاتها مع العرب خاصة- تقوم على النظرية الواقعية التى تستند على مبادئ الفلسفة البراجماتية النفعية، وتربطها بمفهوم القوة والسلطة القهرية.
2-    أوضح البحث وظيفة المسرح المعرفية كمنشط لوعى المتلقى إزاء الممارسات السياسية الفاسدة، حيث نجح المسرح فى كشف القناع عن الوجه الحقيقى لأمريكا وسياستها القائمة على تغليب المصلحة الذاتية.
3-    أثبت البحث قدرة المسرح على تقديم حلولاً واقعية لبعض القضايا والمشكلات السياسية، فعلى سبيل المثال، قدمت النصوص المسرحية المختارة حلولاً جذرية لمواجهة ممارسات السياسة الأمريكية الفاسدة، عن طريق التثوير الجمعى ولم الشمل العربى، أو مقاضاة أمريكا فى محكمة العدل الدولية، ومنظمات السلام وحقوق الإنسان، أو تعبئة الرأى العام العالمى ضدها.   
4-    أظهرت النصوص المسرحية المختارة شخصية المواطن العربى فى صورة الثائر الساخط على السياسة الأمريكية بأنماطها المختلفة، كما أظهرت شخصية المتطرف الدينى الذى جندته أمريكا لصالحها مقابل اغرائه بمكاسب سياسية فضلا عن القاء الضوء على العلاقة الحميمة القائمة على تبادل المصالح بين بعض حكام الدول العربية وأمريكا، وعاقبة هذا الود الذى لن يدوم طويلاً.
5-    أظهرت النصوص المسرحية المختارة نمطين من أنماط الشخصية الأمريكية:
·     النمط الأول: الشخصية البراجماتية التى تستبيح أى شيء فى سبيل تحقيق مصالحها الذاتية.
·     النمط الثانى: الأمريكى الساخط على سياسات بلده ولا يجد غضاضة فى انتقادها، والدفاع عن الطرف الأضعف فى الصراع.