السبت، 4 أغسطس 2012

العلاقات العربية الأمريكية بعد حرب أكتوبر 1973 حتى بدايات القرن الحادى والعشرين.


بقلم: د/ابراهيم حجاج مدرس بقسم الدراسات المسرحية بكلية الآداب جامعة الاسكندرية.
مرت هذه المرحلة بالعديد من الأحداث السياسية على المستوى العربى والعالمى، مما كان له الأثر فى حراك العلاقات العربية الأمريكية بشكل متذبذب هبوطًا، وصعودًا.
وأهم هذه الأحداث هى:
● معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل تحت المظلة الأمريكية.
● انهيار الاتحاد السوفيتى.
● انفجار برجى التجارة العالمية.
● حرب العراق وسقوط نظام صدام حسين.
معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل:
كان لنصر أكتوبر 1973 أثره الكبير على تغيير النظرة الأمريكية للدول العربية، بعد ما أظهرته من وحدة فى المجال السياسى والحربى والاقتصادى، ظهرت فعاليتها فى تعرض الولايات المتحدة الأمريكية فيها لعقوبات اقتصادية، وسياسية عربية بسبب تأييدها المطلق لإسرائيل، وكما يقول المؤرخ "جورج لنكزوسكى" G.Lenczowski: "أنه بسبب معاملتها التفضيلية ٍلإسرائيل، فإن الولايات المتحدة قد عانت من مقاطعة نفطية أحدثت حالة من الشلل تقريبًا، وعانى اقتصاد العالم الغربى بأكمله نتائج سلبية بسبب الارتفاع المذهل فى أسعار النفط. فقد بينت المقاطعة النفطية عام 1973 بوضوح القوة الاقتصادية العربية، والارتباط الوثيق بين النفط والسياسات الدولية.
وقد ظهر تغير الموقف الأمريكى حيال المنطقة العربية بعد حرب أكتوبر متمثلا فى نقطتين الأولى: إيجابيته تجاه إيجاد حلا عادلا للقضية الفلسطينية، والثانية: سعيه إلى التوصل لسلام دائم بين العرب وإسرائيل فى المنطقة.
فعلى مستوى القضية الفلسطينية طرأ على الموقف الأمريكى تغير لا بأس به لوحظ فى "تصريح الرئيس الأمريكى "جيمى كارتر"، خلال شهر مارس 1977 يعترف فيه لأول مرة بأنه من حق الفلسطينيين أن يكون لهم وطن قومى فى فلسطين. ولكن يجب ملاحظة أن هذه التغيرات التى طرأت على الموقف الأمريكى حيال القضية الفلسطينية صنعها العرب بأنفسهم. كما أن هذه التغيرات لا تعنى انحيازًا أمريكيًا للعرب على حساب إسرائيل، بقدر ما هى دعوة لتطبيق العدالة والخوف على إسرائيل من قوة العرب التى بزغت منذ حرب أكتوبر، وأصبحت تمثل القوة السادسة فى العالم باعتراف معاهد استراتيجية فى العالم.
أما على مستوى إحلال سلام شامل فى المنطقة، فيجب أن ننوه على أن بعد حرب أكتوبر طرأت على إسرائيل تغيرات سياسية متمثلة فى "فوز حزب الليكود فى الانتخابات الإسرائيلية عام 1977، وحزب الليكود يمثل تيارًا أقرب إلى الوسط من منافسه الرئيسى حزب العمل الإسرائيلى الذى هيمن على السياسة الإسرائيلية منذ المراحل الأولى لنشوء دولة إسرائيل وكان الليكود لا يعارض فكرة انسحاب إسرائيل من سيناء ولكنه كان رافضًا لفكرة الانسحاب من الضفة الغربية، وعلى الجانب الآخر بدأت ثقة الرئيس المصرى "محمد أنور السادات" تتزعزع بشأن ممارسة الولايات المتحدة أى ضغط ملموس على إسرائيل، هذا فى الوقت الذى أصيب فيه الاقتصاد المصرى بحالة من التدهور الشديد، مما مهد الطريق للسادات للتفكير "بأن على مصر أن تركز على مصالحها بدلا من مصالح مجموعة من الدول العربية، وكان "السادات" يأمل إلى أن أى اتفاق بين مصر وإسرائيل ستتبعه اتفاقات مشابهة للدول العربية الأخرى مع إسرائيل، وبالتالى سوف يؤدى إلى حل للقضية الفلسطينية.
وفى العام 1978 نجحت الولايات المتحدة فى حمل مصر وإسرائيل على التوقيع على اتفاقيتى "كامب ديفيد" الشهيرتين، واللتين كانت أول الطريق على توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل فى مارس 1979 "وكانت المحاور الرئيسية للاتفاقية هى: إنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات ودية بين مصر وإسرائيل، وانسحاب إسرائيل من سيناء التى احتلتها عام 1967 بعد حرب الأيام الستة.
وقد أثارت اتفاقية كامب ديفيد غضب الرأى العام العربى والعالمى، فعلى سبيل المثال نشرت جريدة "القدس العربى" اللندنية "أن العرب لم يكونوا الوحيدين المقتنعين بأن الاتفاقية كانت تفريط فى منجزات النصر العسكرى العربى فى حرب أكتوبر، وأن تركيز السادات على استرجاع سيناء على حساب القضية الفلسطينية قد لقى انتقادات من الاتحاد السوفيتى ودول عدم الانحياز وبعض الدول الأوربية.
كما ساهمت هذه الاتفاقية فى تفكيك أواصر الوحدة العربية حيث تم فصل مصر عن العرب، "فقد عقدت القمة العربية فى بغداد فى نوفمبر 1978 وأعلنت رفضها لكامب ديفيد، وتعليق عضوية مصر ومقاطعتها تمامًا، وتم نقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس، واستمرت هذه المقاطعة تسع سنوات كاملة، حتى عادت العلاقات فى نوفمبر 1987 بالقمة التى عقدت فى عمان. وبذلك فقدت مصر رصيدًا كبيرًا فى قيادة العالم العربى، وضيعت إيجابيات الوحدة العربية التى حدثت بعد حرب 1973. وكانت أمريكا ترعى مباحثات السلام بقوة، وليس هذا بلا شك – من أجل مصلحة المصريين، وإنما كانت تحرص فى المقام الأول على مصلحة اليهود، وليس أدل على ذلك من التهديد الأمريكى الصريح لمصر، قبل يوم واحد من توقيع معاهدة السلام 1979 حيث تسلمت مصر من الولايات المتحدة رسالة تفيد "بتقديم الولايات المتحدة ما تراه لازمًا من مساندة لإسرائيل فى حالة انتهاك بنود المعاهدة خاصة إذا ما رئى أن هذه الانتهاك يهدد أمن إسرائيل، مثل تعزيز وجود الولايات المتحدة فى المنطقة، وتزويد إسرائيل بالشحنات العاجلة، والمساعدات العسكرية والاقتصادية لوضع حدًا للانتهاك.
ومن أجل اليهود عرضت أمريكا على مصر المساعدات الأمريكية (المعونة) لكى توقع الاتفاقية، ووقعت مصر، وجاءت المعونة التى بدأت ب 200 مليون دولار سنويًا، ثم أخذت فى الازدياد حتى فاقت المليار دولار سنويًا ثم تناقصت الآن من جديد، والثمن أن يكون توجهنا أمريكيًا خالصًا.
وقد صدق توقع الرئيس "محمد أنور السادات"، فما هى إلا سنوات وتحولت أمريكا إلى قطب واحد يتسابق الجميع إلى مصادقته وإتباعه وهو وضع لم يكن أبدًا على الساحة قبل معاهدة السلام.
واستمرت حالة التأييد الأمريكى المطلق لاسرائيل بعد معاهدة السلام، ففي سعي الرئيس الأمريكى "رونالد ريجان"() Ronald Reagan (1911-2004) لكسب الأصوات اليهودية حرص على "زيادة الروابط مع المؤسسات اليهودية الصهيونية في الولايات المتحدة قبل موعد الانتخابات الرئاسية وخلال حملته الانتخابية زار "ريجان" المنظمة اليهودية "بناي برث" في واشنطن عام1980م، وألقى خطابًا قال فيه: "إن إسرائيل ليست أمة فقط بل هي رمز ففي دفاعنا عن حق (إسرائيل) في الوجود إنما ندافع عن ذات القيم التي بنيت على أساسها أمتنا. وكان أهم موضوع في الحملة الانتخابية للمرشح "ريجان" هو مزاعمه بعجز إدارة "كارتر" في تقدير أهمية (إسرائيل) كرصيد استراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وفي مقال له في صخيفة "واشنطن بوست" ذكر أن وضع الولايات المتحدة سيكون أضعف في المنطقة بدون الأرصدة السياسية والعسكرية التي توفرها إسرائيل كقوة مستقرة، وكرادع للهيمنة الراديكالية.
انهيار الاتحاد السوفيتى:
بدأت الولايات المتحدة تشعر بخطر الشيوعية ليس على المصالح الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط فحسب بل على تلك المصالح فى العالم أجمع، خاصة "بعد أن كسبت الشيوعية الدولية انتصارات فى أنحاء العالم. وبدأت أمريكا استعداداتها فى الدفاع المستميت عن النظام الرأسمالى فى مواجهة نظام اشتراكى طفق يتوسع سريعًا ويجذب الكثير إلى النموذج الذى يسعى لإقامته، "حتى انتهى الأمر بانتصار نظامها وسقوط النظام الآخر بفعل أوجه ضعفه الداخلية فى المحل الأول، ومحاربة الولايات المتحدة له وإنهاكه واستنزافه فى سباقات التسلح وفى الصراعات الدولية ومحاصرته اقتصاديًا وتجاريًا.
وبانهيار المعسكر الاشتراكى، وانتهاء زمن القطبين، أصبحت للولايات المتحدة الهيمنة على العالم باعتبارها القوة العظمى الوحيدة اقتصاديًا وحضاريًا وعسكريًا، وعلى الجانب الآخر" حرم انهيار الاتحاد السوفيتى الفلسطينيين من قوة عظمى كانت نصيرًا وحاميًا لهم.
انفجار برجى التجارة العالمية:
بعد الأحداث غير المسبوقة التى تعرضت لها أمريكا فى 11 سبتمبر 2001، من جراء هجوم الطائرات الانتحارى على برجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك، ووزارة الدفاع (البنتاجون) بواشنطن، خلطت الأوراق على الساحة الدولية، وأعلنت الحروب على الإرهاب الدولى؛ حيث "سارعت وسائل الإعلام الأمريكية، وأبواق الدعاية الصهيونية فى الولايات المتحدة بإلقاء اللوم على المنظمات العربية والإسلامية والفلسطينية على وجه الخصوص فى محاولة لإلصاق هذا الاتهام فى تلك الأحداث الجسام على عاتق المنشق السعودى" أسامة بن لادن" المقيم فى أفغانستان وإتباعه، إلا أن الكثير من المحللين نفوا هذا الزعم، وأكدوا استحالة أن تكون تلك العملية من ترتيب أو تنفيذ أفراد أو منظمات ذات إمكانات محدود؛ "حيث أنها عملية عسكرية منظمة تستهدف الحكومة الفيدرالية الأمريكية ورموز القوة العسكرية الأمريكية وعناصر القوة الاقتصادية ممثلة فى سوق المال فى نيويورك، وأن أى قراءة محايدة للأحداث وضخامتها وتكنولوجياتها العالية تنبئ بأن الجماعات اليمينية فى الولايات المتحدة والمشهورة بتطرفها وقدراتها وإمكانياتها الواسعة لها دور كبير فى هذه الأحداث. التى مثلت نقطة التحول فى السياسة الأمريكية وعلاقاتها بغيرها من الدول شرقًا وغربًا، حيث وجدت أمريكا تبريرًا قويًا لسياستها الخارجية الغاشمة، حيث يرى بعض المفكرين أن الولايات المتحدة، اغتنمت فرصة ما جرى لتحقيق مزيد من المكاسب، "ويستدلون على هذا بمخططاتها للسيطرة على وسط أسيا وفى القلب منه أفغانستان بموقعها الحاكم، بما يزخر به من ثروة نفطية بل يقولون إن مخططات السيطرة هذه كانت معدة وستنفذ، سواء وقعت أحداث 11 سبتمبر أو لم تقع. ومن هنا طالبت العالم كله بالوقوف معها فى معركتها العسكرية والسياسية والاقتصادية مع جماعات الإرهاب وما أسمته "الدول المارقة" التى تمثل محور الشر (العراق، إيران، كوريا الشمالية)، وبالفعل بدأت أمريكا حملتها لمحاربة الإرهاب، وهو ما أشار إليه الرئيس الأمريكى "جورج دبليو بوش"() Geoege.w.Bush (1946- ) يوم 14 سبتمبر 2002 فى قوله بأن "مسئوليتنا تجاه التاريخ تتمثل فى الرد على الهجمات الإرهابية، وتخليص العالم منها، فقد ابتدأ الآخر بالصراع، ونحن الذين سننهيه فى الوقت الذى يروق لنا.
حرب العراق وسقوط نظام صدام حسين:
بعد أحداث سبتمبر 2001 فى نيويورك وواشنطن، وتوجيه الاتهام إلى تنظيم القاعدة، قامت قيامة الولايات المتحدة لتعلن الحرب العالمية على الإرهاب، واتبعت كافة الوسائل لمواجهة خطره الذى وصل إلى قلب الولايات المتحدة، فقررت ضرب الإرهاب عسكريًا فى معقله التى ترى أنه قاعدة للتعبئة، ومركز للتمويل والتدريب وهى تشير فى ذلك إلى العالمين العربى والإسلامى، "فاحتلت أفغانستان لتقضى على نظام طالبان، ثم بدأت حملتها فى التعبئة والتهيئة لاحتلال العراق من خلال التركيز على دكتاتورية نظام صدام حسين واضطهاده لشعبه، وزعم امتلاكه أسلحة كيماوية ونووية، وعلاقته بتنظيم القاعدة؛ حيث عبرت الإدارة الأمريكية عن قلقها بأن العراق ربما يزود تنظيم القاعدة بأسلحة بيولوجية أو كيماوية أو أسلحة نووية مع مرور الوقت، كل ذلك تهيئة، وتمهيد لاحتلال العراق والسيطرة على موارده النفطية الهائلة، وموقعه الجغرافى الاستراتيجى فى منطقة الشرق الأوسط وآسيا والعالم.
وأصبحت الأهداف الأمريكية فى عراق ما بعد "صدام حسين"، فرض الاستقرار فى البلاد، وخلق حكومة موالية لأمريكا فى بغداد", الأمر الذى يعتبر ضروريًا للمحافظة على القواعد العسكرية والاستخبارية التى أقامتها سلطة الاحتلال الأمريكى على أرض العراق.
ويتضح مما سبق أن الاتجاه الذى غلب على السياسة الأمريكية الخارجية، هو الاتجاه الواقعى البراجماتى، حيث أبت أمريكا إلا أن تجعل من لغة المصالح أساس حركتها فى سياستها مع الدول الأخرى، حتى لو غلفت تلك المصالح بغطاء من القيم والمثاليات.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق