الأربعاء، 13 أبريل 2011

مسرح العبث المصرى بين البيروقراطية والديمقراطية.. دراسة نقدية لمسرحية -فوت علينا بكرة-


مرت الإنسانية فى النصف الثانى من القرن العشرين بأزمة عصيبة تعددت أسبابها ، ولعل طبيعة تلك الفترة الحافلة بالحروب ، والتجارب النووية والعلمية ، والفلسفات والنظريات الجديدة ، كان لها الدور البارز فى تعميق هذه الأزمة فبدلاً من تكريس العلم لبناء الإنسان وتطوره ، تم استغلاله فى خدمة الحروب والدمار ، مما تسبب فى خسارة البشرية للملايين الذين طحنتهم تلك الحروب بأسلحتها المدمرة أو بآثارها الجانبية غير المباشرة .
كما ارتبطت تلك الأزمة ارتباطاً وثيقاً باستخدام الآلة على نطاق واسع فى عالمنا المعاصر ، فقد أدت القوة الهائلة التى تمتلكها هذه الآلات إلى شعور الناس لوقوعهم ضحية عملية ضخمة غير مفهومة ، فالإنسان حين ابتكر الآلة تصور أنها سوف تكون فى خدمته ، فإذا بالأمور تنقلب ليصبح هو خادمها ، ويتحول الناس إلى تروس فيها ، يعيش كلٍ داخل نفسه متقوقع فى مشكلاته لا يجد وقتاً ولا رغبة للتخاطب مع غيره من البشر .
وهكذا بدأت توجهاته تسلك مسلكاً معبراً عن أزماته ، وخبراته الجديدة ، " ففى ظل هذه الأجواء المفعمة بالغثيان والتشاؤم ، كان هناك إحساس عارم بعبث الحياة وانعدام جدواها ومعناها ، وافتقاد الهدف الذى يسعى الإنسان إليه ، فعلام السعى والجهد والمعاناة نحو تحقيق هدف قد يدمر فى أية لحظة وسط حروب تحركها أطماع دولية لا يقوى الفرد على مجابهتها لضعف شأنه وقلة حيلته ، وكان طبيعياً فى ظل هذه الظروف أن تفرز مشاعر متباينة مضطربة مثل اليأس والقلق والتوتر والتمرد واللامعقول والغربة ."
وعلى إثر ذلك ظهرت اتجاهات فكرية جديدة فرضت نفسها على الساحة المسرحية كضرورة فنية لمواكبة الظرف التاريخى الذى عاشه الإنسان فى تلك الفترة ، وقد تمردت تلك الاتجاهات على القديم وعلى الراهن فى الشكل والمضمون بحثاً عن لغة مسرحية جديدة، إذ أدرك الفنانون أن الأشكال والصيغ المألوفة ، أو التقليدية لم تعد صالحة للوفاء بمتطلبات اللحظة التاريخية أو للتعبير عن أزماتها وصراعاتها ، وتحولاتها على مستوى الأنساق المختلفة .
ومن بين تلك الحركات برزت المدرسة العبثية كأحد الأشكال التى لفتت الأنظار بما فيها من حداثة وخروج تام عن المألوف فى المسرح ، " حيث كانت الرؤية العبثية لمصير الإنسان ، وواقعة هى المنطلق الفكرى الرئيسى فى عروض هذا الاتجاه الجديد ، ولهذا فليس من الغريب أن نجده يتخذ موقفاً معادياً من اللغة المنطوقة ـ لغة الحوار والفكر ـ ويسعى إلى تهميش الكلمة ، أو تفريغها من محتواها عن طريق إبراز آليتها وتحجرها وانفصالها عن الواقع البشرى الحى ، والوضع الإنسانى الحقيقى ، أو نفيها تماماً عن المسرح ، واستبدالها بتراكيب صوتية جديدة لا لغوية ، بكل ما يحمله هذا التهميش أو الاستبدال من دلالات لأنماط التفكير السائد والمؤسسات العقيدية ، الأطر القيمية الموروثة.

والعبث (Absurd ) " كلمة من أصل لاتينى معناها النشاز ، والنبو عن القاعدة ، انعدام المعنى " ، وانعدام التناسق ، والخلو من الهدف ، والانفصال الذى يجعل التصرف غير مبرر ، والكلمة فاقدة للمعنى ، والأسباب لا تشير إلى النتائج ، ولا تتفق معها .
وأول من أسس مفهوم العبث بمعناه الحديث هو الكاتب المسرحى ألبير كامى عندما وضع بحثه الفلسفى " أسطورة سيزيف " الذى نشره عام 1942 ، وفيه اعتبر كامى الإحساس بالعبث مرضاً من أمراض الروح المعاصرة ، وشبهه بلعنة "سيزيف " الذى استخف بالآلهة ، وتمرد علي الموت فحكم عليه " زيوس" بأن يقضى الأبدية فى الجحيم يدفع حجراً ضخماً إلى قمة جبل شاهق ، حتى إذا ما بلغ القمة تهاوى منه الحجر إلى القاع من جديد ، ليهبط وراءه ، ويعاود الكرة مرة إثر مرة ، بلا نهاية لعذابه ، وكأنما " زيوس " قد أدرك بخبثه الإلهى ـ على حد قول كامى ـ أنه ما من عذاب يعانيه الإنسان أفظع من الجهد الذى لا طائل من ورائه .
ومسرح العبث فى مضمونه يرصد ظواهر الأزمة ويعبر عن انفصال الإنسان عن جذوره، حيث يعكس إحساس الكاتب الغربى بعبث الحياة المعاصرة وقيامها على كثير من الأوضاع غير المعقولة نتيجة الحروب ، والصراعات ، وسيطرة النظم السياسية على مصير الإنسان .
وقد أحس بهذه المعانى كثير من كتاب المسرح الجادين قبل ظهور مسرح العبث ، لكنهم عبروا عن إحساسهم بعبث الحياة ، ومتنا قضاتها فى إطار مسرحى منطقى مرتب لا يتلاءم مع مضمون العمل المسرحى ، ثم جاء كتاب العبث فحاولوا أن يلائموا بين الشكل والمضمون ، بحيث يلتحمان معا بلا تناقض فيصبح الشكل فى اختلاط أحداثه وتحلله من المنطق ، والسياق المفهوم ، واستخدامه للغة ، على نحو يمثل ما فى لغة الحياة من تناقض وسطحية ، وصورة لما فى واقع الحياة من عبث وأوضاع غير معقولة .
وقد صادف مسرح العبث نجاحاً ملحوظاً فى بداية ظهوره ، وصل صداه إلى مصر ، وتأثر به بعض كتاب المسرح المصرى ، فإذا كان العبث قد أدى دوراً واضحاً فى الفكر الأوروبى نظراً للظروف التى مرت بها أوروبا فى ذلك الوقت ، فهو قد ألقى بظلاله أيضاً على الفكر المسرحى المصرى ، فقد حاول كتابنا أن يطرحوا أفكاراً جديدة حول عبث الحياة منهم توفيق الحكيم ، ميخائيل رومان ، صلاح عبد الصبور ، ويوسف إدريس .
فقد كان توفيق الحكيم رائداً فى هذا المجال ، وقد رأى أن العبث الحقيقى هو فقدان تعادل الإنسان ، وخلله فى علاقته بنفسه ، أو مجتمعه ، فالحكيم يرى أن العالم لا يقوم به عبث إلا إذا اختل ميزان تعادل هذا الكون .
والجدير بالذكر أن هذا النوع من المسرح لم يصادف نجاحاً فى مصر فى حينه ، لا على مستوى التأليف ولا على مستوى الاستقبال الجماهيرى ، لأنه يعكس حاجات فنية ونفسية لبيئة تختلف اختلافاً جوهرياً عن بيئة المجتمع المصرى بتراثه الحضارى والدينى الممتد عبر التاريخ والذى ما كان يمكن أن يجعله يؤمن بفلسفة عبثية الوجود .
فقد أثبت مسرح العبث بشكله الأوروبى أو الغربى الصرف أنه غريب على تربتنا الثقافية لأنه أيضاً يتناول مشاكل غريبة على واقعنا المُعاش ، وإذا كان هذا المسرح يمثل ظاهرة صحية فى بلدان لا تعانى من مشاكل الغذاء أو المسكن أو الملبس وحرية التعبير ، وتستطيع أن تدخل فى دوائر الميتافيزيقا والوهم والحقيقة فإن هذا المسرح يعتبر ترفاً فكرياً بالنسبة لبلدان تكون الظروف الإنسانية فيها ظروفاً مادية صعبة لأنها ظروف عالم قد خرج لتوه من دائرة مستعمر أجنبى ظل جاثماً على صدور الناس لقرون ، وهكذا تصبح مشاكل هذا العالم هى مشاكل الحرية التفكير والتعبير ، وحرية العيش على مستوى إنسانى لائق من ناحية المأكل والملبس والمسكن.

وإذا كان العبث المصرى قد حاول فى البداية أن يحاكى الشكل الغربى إلا أنه فيما بعد اكتشف إمكانية توظيف الشكل التعبيرى للعبث لخدمة قضايا اجتماعية وسياسية مصرية وعربية، ففى فترة السبعينيات عاشت مصر عبثاً فرضته المتغيرات الاجتماعية الاقتصادية والسياسية ، وقد حاول بعض الكتاب تقريب عالم العبث وتطويعه كشكل مسرحى أو قالب درامى ليتناول قضايا اجتماعية ، ووضعه فى خدمة ما يمكن أن نسميه بمسرح النقد الاجتماعى ، ومن بين هؤلاء الكتاب برز اسم "محمد سلماوى " الذى "التقط جملة (فوت علينا بكرة ) المألوفة فيحولها فى جرأة شديدة إلى شيء جديد غير مألوف شيء يثير سخطنا على الواقع المقلوب ، وكأننا نراه الآن لأول مرة من خلال عينى المؤلف فنكتشف عبثيته الصارخة ، لقد نجح المؤلف فى تطويع مسرح العبث لمضمون مصرى خالص ، ليس باختياره لموضوعات مستمدة من الواقع الذى نعيشه فحسب ، وإنما أيضاً باستخدام الأساليب العبثية بشكل مختلف ولأهداف جديدة " .
وتدور أحداث مسرحية "فوت علينا بكرة " حول المواطن البسيط "أحمد " الذى تخرج حديثاً فى الجامعة ، وتبددت أماله فى الحصول على فرصة عمل بعد أن انتظر ثلاث سنوات عجاف ، لم يستطع خلالها أن يكون نفسه مادياً فيلجأ إلى الخلاص الشخصى ، ويقرر السفر إلى إحدى الدول العربية ليشق طريقه خارج بلده بعد أن ضاقت به الدنيا داخلها . وتسوقه الأقدار إلى إحدى المصالح الحكومية التى يتقدم إليها للحصول على خاتم الدولة لاعتماد الأوراق اللازمة للسفر .
ويصادف أن يأتى "أحمد " إلى المصلحة أثناء انعقاد اجتماع عام يقرر فيه مدير المصلحة " عبد العال بك" إصدار قرار إدارى بإلغاء التسيب ، ومعاقبة كل من تسول له نفسه مخالفة القرار الجديد ، وأمام انشغال الموظفين بهذا الاجتماع ، يصيح كل منهم فى وجه " أحمد " بجملة " فوت علينا بكرة " ، ومن سوء حظه يفوت عليهم فى اليوم ذاته بعد فض الاجتماع ، لتبدأ محاكمته ، وحسابه حساباً عسيراً بكم من الأسئلة التى تصل فى غرابتها إلى مرتبة العبثية ، لماذا يريد السفر للبلاد العربية ؟ كيف يترك بلده التى تحتاج إلى سواعد أبنائها ؟ البلد التى كبرته وربته وعلمته .. من سيبنى هذه البلد إذا هجرها أبناؤها ؟ لماذا لم يتزوج قبل السفر ؟ وإذا كان مسافراً من أجل خطيبته فأين هى ؟ ولماذا لم تأت معه ؟
ويتم استدعاء " نبيلة " خطيبة " أحمد " إلى خشبة المسرح فى اللحظة التى يبرز فيها صورتها ، ويحاول " عبد العال بك " (مدير المصلحة ) ، عبد السلام أفندى ( أحد موظفيها ) محاصرتها بالأسئلة لمعرفة محل إقامتها ، أو رقم تليفونها ، ثم تختفى نبيلة بعد مواجهة عنيفة بينها وبين أباطرة البيروقراطية فى هذه المصلحة .
وبعد نفاذ صبره يطلب " أحمد " معاملته على اعتبار أنه غير خاطب ، وهنا يتفجر سيل الأسئلة من جديد . لماذا لم يتأهل قبل سفره ؟ وكيف سيعيش فى الغربة وحيداً ؟ وإذا كان لم يتزوج بعد فلما لا يتعجل ويعقد قرانه إذ أن خير البر عاجله والغربة قاسية ولماذا لا يتزوج من أحد العاملين بالمؤسسة ؟ وهنا يخرج " عبد السلام أفندى " من خلف أكوام الملفات مرتدياً ثوب زفاف أبيض يتخايل به أمام " أحمد " ـ على خشبة المسرح ـ الذى يقف حائراً مندهشاً غير مصدقاً لما يراه .

"أحمد : يا إخوانا مش معقول كده ! أنا مش قادر أصدق اللى بيحصل ده (فى
سخرية ) أنا حاسس إنى باتفرج على مسرحية من مسرحيات اللامعقول !.

عبد السلام أفندى: أهو إحنا بقى بتوع اللامعقول .. إحنا اللى بدعناه قبل ما يعرفوه فى بلاد
برة ! عايز إيه بقى ؟ "

ويحاول "أحمد " المحافظة على البقية الباقية من رشده ، ويصرخ فى الموظفين بأنه لا يريد السفر ، ولا يريد أختاماً ، ولا أوراقاً ، فهو يريد الخروج من هذه المؤسسة فحسب ، ويأتى رد "عبد العال بك" مخيباً لآماله فى النجاة بنفسه من هذه الدوامة .

عبد العال (بك) : تخرج إزاى يا أستاذ هى المسألة فوضى ولا إيه ؟ بقى تدخل مكتب
حكومى وتضيع وقت كبار الموظفين ، وبعدين تقول سيبونى أروح؟ أُمال
كنت جاى ليه ؟ علشان تتسلى ؟ ما قلنا لك تتفضل من غير مطرود ما
عجبكش ، فوت علينا بكرة بردو معجبكش دلوقتى جاى تقول روحونى ؟
الراجل لازم يبقى له موقف ثابت .. يبقى له كلمة.

عبد السلام أفندى : راجل مالوش كلمة .

أحمد : ( فى فزع ) أنا عايز أخرج من هنا .

عبد العال (بك) : دخول الحمام مش زى خروجه يا أستاذ .

أحمد : سيبونى أخرج .

عبد العال (بك) : إزاى تخرج من غير تحقيق ؟ "

ويصبح خلاص "أحمد " مستحيلاً بعد أن اكتشف الجميع أن سلوكه سلوكاً مريباً مثيراً للشبهات ولابد من محاكمته ، وهكذا تبدأ المحاسبة التعذيبية التى يكال له خلالها سيل من الاتهامات بدءاً من التشكيك فى وطنيته ، وصولاً إلى اتهامه بالإرهاب والجاسوسية والشيوعية والناصرية والوفدية والعلمانية وما إلى ذلك من الاتهامات المتناقضة المتباينة ، وتنتهى المسرحية بجريمة أكثر عبثية ، فبدلاً من ختم أوراق السفر لأحمد يتم انتهاك حرمة جسده بعد تجريده من ملابسه وصلبه على أحد جدران المؤسسة ، وختم جسده العارى إلى أن يموت .

إن النص يمكن أن يفهم على أكثر من مستوى ويحمل أكثر من دلالة ، حيث ترتدى القضية التى يحملها أكثر من ثوب تصب جميعها فى إطار من النقد الاجتماعى والسياسى الهادف الذى يقدم بدوره عريضة احتجاج ضد الأنظمة الفاسدة والشخصيات السلبية أياً ما كانت ، حيث تعكس الرؤية الفكرية للنص ـ بوجهها الظاهرى ـ معاناة المواطن المصرى البسيط فى مواجهة بيروقراطية جامدة ، تتزعمها فئة من كبار موظفى الإدارات الحكومية الذين يتعاملون مباشرة مع الجمهور ، ويقومون بالتطبيق الحرفى الممل للنظام الإدارى ، وعدم تجاوزهم لأى مفردات وضوابط يحتويها هذا النظام ، مهما كانت صغيرة وغير ذات أهمية ، مما يؤدى إلى تعقيد الإجراءات ، وتعطيل مصالح المواطن الذى يجد نفسه قد غاص فى عالم عبثى يستحيل فهمه ينتهى بالإجهاز عليه وموته .
لقد اكتشف "سلماوى" أن العبث واللامعقول ، والفوضى أصبحت الآن من السمات الرئيسية لنسيج حياتنا اليومية ، " فقد تحول النسر المدموغ على الأوراق الرسمية إلى نسر وحشى يلتهم أعز الأحلام .. لقد أصبح النسر المحلق فى الفضاء الفسيح رمزاً للتعويق والتعطيل " ، وتحول المكتب الحكومى الذى بُنى من أجل تقديم خدمات للشعب إلى شيء مناقض تماماً ، لهذا لجأ "سلماوى" إلى تكنيك العبث ليس لتوصيل أحاسيس اليأس واللاجدوى والعدمية كما حدث فى مسرح العبث بشكله الأوروبى ، ولكن لتعميق الإحساس بخطورة المشكلة ، وإثارة الوعى وصولاً إلى التغيير .

"نبيلة : (تنفجر فجأة ) أنت خدام الشعب والمكتب ده لخدمة الشعب والبلد دى مش عزبة
بتاعتكم تستغلوها لمصلحتكم دى بلدنا إحنا.

لقد تناول " سلماوى " العبث الواقعى المصرى الذى ينبع من واقع الأحداث فى ظل منطق الحياة المعكوس ، حيث يرصد النص الحالة المتردية التى وصل إليها المجتمع المصرى على أيدى جمهرة من الموظفين التى توقفت عقولهم وتخشبت مثل المكاتب البالية التى يجلسون عليها ، وتحولوا إلى عبدة للبيروقراطية العتيقة ، والروتين القمىء .
إن مشكلة البيروقراطية ، أو بعبارة أخرى مشكلة التعقيدات المكتبية والإدارية ، تعتبر فى هذا العصر مشكلة عالمية لا يكاد يخلو منها مجتمع من المجتمعات البشرية المتقدمة والنامية على اختلاف أنظمتها واتجاهاتها ، وقد أوضح "الفريد سوفى" ، أن "أتساع نشاط الدولة يقتضى بالضرورة إنشاء المزيد من المكاتب والهيئات التى تتولى الإشراف على هذا النشاط المتسع وتتطلب أيضاً زيادة عدد الموظفين الإداريين والفنيين ، وهذا القول يصدق على الدول الآخذة بالنظم الاشتراكية ، مثلما يصدق على الدول الآخذة بالنظم الرأسمالية ، مع فارق لابد من الالتفات إليه دائما وهو طبيعة كل من هذه الأنظمة ، وأهدافها ، واتجاهاتها فى العمل والتصرف.
والبيروقراطية مفهوم يستخدم فى علم الاجتماع والعلوم السياسية بما يشير إلى تطبيق القوانين بالقوة فى المجتمعات المنظمة ، " وقد شاع استخدامه فى ألمانيا فى القرن التاسع عشر حينما زاد تدخل الدولة وسيطر الموظفون على أجهزة الحكومة " ، ومع ذلك لا وجود لاتفاق أساسى بين العلماء الاجتماعيين حول معنى البيروقراطية " وقد يصل التعارض إلى حد وصفها بالفاعلية الإدارية ، كظاهرة أساسية ضرورية لإنجاز الأعمال والمهام من ناحية ، ومن ناحية أخرى يربطها البعض بالشلل الإدارى وانتشار الروتين ، والقواعد الجامدة ، وبطء الإجراءات وسيطرة العلاقات الشخصية ، "
وهذا الجانب السلبى هو ما تناوله " سلماوى " فى نصه ، حيث أن مشكلة البيروقراطية، وتخلف النظم الإدارية هى واحدة من أهم المشاكل التى واجهت المجتمع المصرى فى النصف الأخير من القرن العشرين ، " وذلك بسبب الأخذ بنظام مبدأ أهل الثقة عند اختيار القيادات ، وهو المبدأ الذى ساد بعد ثورة 23 يوليو 1952 ، وقام على اختيار القيادات من أهل الثقة والولاء على حساب أهل الكفاءة والخبرة والتخصص ، فأصبحت كل المناصب القيادية من فئة أصحاب الولاء ممن ليس لهم دراية كافية بعلم الإدارة وفنونه مما أدى إلى اختلال الأجهزة الإدارية وضعفها ، وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة

ويبرز " عبد العال بك" فى نص " سلماوى " فى أعلى الهرم المكتبى كشخصية انتهازية ، وكخير مثال للمدير الفاسد المرتشى المشغول بمصالحه الخاصة ، وعلاقاته المريبة بأصحاب النفوذ فى مواقع أخرى ، بالإضافة إلى استثمار وظيفته ومركزه ، واستغلال علاقة زوجته برؤسائه للصعود من هرم لهرم أكبر وكل ذلك فى ظل سياسة البيروقراطية التى تسود الأنظمة الإدارية فى ذلك الوقت .

"عبد العال بك : (فى التليفون) يا تفيده أنا مش عايز اللجنة دى .. دى منظر وبس لكن
المجلس هو اللى حايمشى لنا شغلنا كله أنتِ ناسية إنى حاخش شريك فى
السوبر ماركت بتاع حسين بيه والترخيص بتاعه لا يمكن حايطلع إلا لو
أنا دخلت المجلس .. انتخاب إيه بس يا تفيده ولا انتخاب ولا حاجة هو
عبعاطى اللى فى أيده كل حاجة معلش علشان خاطرى كلميه تانى .. أنا
مـقدرش أكلمه فـى البيت لاكن أنت واخدة عليه وهـو بينفذ لكى كل
طلباتك."

وإن كان "عبد العال بك" يمثل قمة الهرم الفاسد فإن قاعدته يمثلها مجموعة من الموظفين فارغى العقول أمثال " عبد السلام أفندى " ، و " عبد المجيد أفندى " ، وأتباعهم أدوات الجهاز البيروقراطى اللذين يتحركون كالدمى ويرددون كلام "عبد العال بك " دون أدنى تفكير أو مبرر منطقى. "وقد أتت صورة "كورس" الموظفين منافية لمفهوم الواقعية الفوتوغرافية ، فقد ارتدى أحدهم جلباباً ، والآخر بيجامة ، وهم يحملون أدوات المقاهى والمطاعم ، فى محاولة من الكاتب لتجسيد معانى الإهمال ، وازدراء العمل واللامبالاة ، والرغبة فى تحويل مكان العمل إلى مكان للتسلية لأنه ليست للعمل ذاته قيمة" .
ومع نهاية المسرحية يتحول "كورس" الموظفين إلى زبانية للتعذيب والإذلال ، فمع إشارة عبد العال بك الأولى يمسكون بأحمد ويسحبونه إلى الحائط الخلفى فيضعون وجهه على الحائط ، ويمدون ذراعيه ممسكين به كالمصلوب ومع إشارة " عبد السلام أفندى " ينقسم أفراد الكورس إلى ثلاث مجموعات ، المجموعة الأولى تخلع عن أحمد ثيابه ، والمجموعة الثانية تستمر فى الإمساك به فى وضع المصلوب ، والمجموعة الثالثة تتجه مع عبد السلام أفندى إلى خاتم الدولة لتساعده فى حمل ذلك الخاتم العملاق (عامود يصل طوله إلى مترين)، ويظل يختم به أحمد على جسده العارى ، وكأنه تحول إلى ورقة رسمية يجب أن تختم ، بينما ينشد كورس الموظفين فى عبثية واضحة إحدى أغانى الأطفال (واحد أتنين ثلاثة .... إبرة الخياطة ) ، وكأنهم فريق من الجلادين المرضى نفسياً ـ وأغلبهم كذلك فى واقعنا العملى بالفعل ـ يتسلون بالضحية ، حتى يسقط محطماً تحت أرجلهم
ويوحى المشهد بجريمة اغتصاب جنسى تنتهى بموت أحمد فى دلالة رمزية تستهدف الكشف عن مدى القهر والإذلال الذى يعانى فيه الفرد فى ظل الأنظمة البيروقراطية التى حولت المؤسسات الحكومية التى من صميم عملها تقديم خدمة للمواطن لتيسير مصالحه إلى أداه للقضاء عليه ، وموت هذه المصالح مادياً ومعنوياً وأمام فساد الجهاز الحكومى وفشله فى تأدية هدفه " يصبح أحمد ضحية تقدم قرباناً على مذبح البيروقراطية ، خاصة أن أحمد يموت بالفعل ، وهو يتلقى خاتم الدولة المرعب فوق جسده ، وليس هناك ما ينفى أن ما فعلته طبقة الموظفين تلك (طقس ) ربما يتكرر كل يوم مع ضحية جديدة . "

وينتمى " عبد العال بك " ، ومجموعة موظفيه إلى نمط الانحراف الطقوسى أو الروتينى، وهو ما أسماه "ميرتون " بطقوسية البيروقراطية ، وهم من يستمدون رضاءهم من مسايرتهم للوسائل المحددة ، والامتثال القهرى للأعراف والقوانين ، "وقد يثار التساؤل حول إمكانية وصف هذا النموذج بأنه سلوك انحرافي خاصة وأنه سلوك مسموح به من الناحية النظامية . وإن كان غير مفضل ثقافياً فإنه لا يمثل مشكلة اجتماعية . ولكن الامتثال الشديد للقوانين والأعراف يعزز المسايرة الكاملة للروتين مما يبعد الفرد عن أية إضافة أو تعديل أو تجديد ويقلل مستوى الطموح لديه ويصيبه بالإحباط.
هذا بالإضافة إلى أن طبيعة البناء البيروقراطى تعوق تحقيق رغبات موظفيه فى الترقية والحصول على المكافآت ، ومن ثم يلجأون لوسائل أخرى غير مشروعة لتحقيق تلك التطلعات ، وعليه تعد السلطة البيروقراطية عاملاً دافعاً للسلوك الإجرامى

" عبد العال : (فى التليفون) مين ؟ آه جوز خديجة ؟ ماله ؟ لا دى مسألة سهله خالص
.. قولى لخديجة أنا حجيب له استثناء من الوزارة عندنا على طول لا ما
فيش أى مشكلة حاجيبله استثناء بس يفتح مخه معانا فى موضوع البُنا
بتاع مدينة الأوقاف "

ولم يقتصر الأمر فى نص "سلماوى" على مجرد الشكوى من البيروقراطية ، وآثارها السلبية، وإن كانت الشكوى فى حد ذاتها تنبه إلى ضرورة إيجاد كل الحلول الممكنة للتخلص من هذه الآثار والأضرار ، ولم يكتفْ الكاتب بالسخرية منها بكلمات أو جمل عابرة بل قدم ما يمكن تسميته بمأساة البيروقراطية التى تغتصب حقوق المواطن ، وتقتل مصالحه، بينما يقف هو مكتوف اليدين لا حول له ولا قوة أمام جبروت ، وتعنت السادة موظفى الحكومة .
ولم تقف الرؤية الفكرية للنص عند حدود إدانة البيروقراطية ، بل تتعداها إلى معنى أكثر شمولية وهو علاقة الحاكم بالمحكوم ، حيث تتخذ من البيروقراطية غطاءً يعنى بالسياسة ، ويترجمها . فيقدم لنا النص الفرد ( المحكوم الضعيف ) فى مواجهة استبداد السلطة الأقوى منه لينتقد من خلال تلك المواجهة غير المتكافئة ضياع العدالة الاجتماعية وحرية الرأى للمواطن المسحوق المستذل الذى لا يستطيع أن يقاوم جبروت الحاكم وطغيانه فالنص يدين بشكل صارخ النظم البوليسية الشمولية التى بزغ نشاطها مع ثورة يوليو تحت شعارات ثورية مزيفة ، واستمرت حتى حكم السادات ، والتى احترفت امتهان آدمية البشر " عن طريق القمع البوليسى ومحاربة كل التيارات الفكرية إلى جانب اختلاق الاتهامات ولصقها جزافاً ، فهذا ملحد ، وذلك يثير فتنه طائفية ، وهذا خارج عن الوحدة الوطنية ، وذلك يهدد السلام الاجتماعى ، ويدور المجتمع فى متاهات لا نهاية لها ويسود الكبت وتنتشر الانتهازية واللامبالاة ، " وكل ذلك بحجة الحفاظ على أمن الدولة وسلامتها من المتربصين بها فباسم الديمقراطية ألغيت كل حرية، وباسم الأمن أنشئت أجهزة الرعب ، وباسم الثورة على الفساد قطع كل لسان ينتقد الفساد .
وقد كان عام 1977 عاماً حاسماً لهذا التناقض وأكملت السلطة طريقها بوضوح ضد الشعب والوطن ، واستغلت معاناة الشعب لتبرر صلحها مع إسرائيل ، وينتهى وهم الديمقراطية تحت وطأة القهر الذى سيطر على الجميع ، ولم تعد الدولة تسمح بصراع الأفكار وتففت تغلق المجلات ولم تعد تسمح بأى عمل إلا إذا كان موجهاً لصالحها "

ويرمز "عبد العال بك" فى نص " سلماوى " إلى السلطة المستبدة التى دأبت على التحكم فى مصائر الشعب واستغلاله تحت شعار حمايته والعمل لصالحه .

عبد العال بك : ما هى آراءك السياسية ؟ أكتب يا عبد المجيد أفندى .

موظف (1) : شيوعى ! .

موظف (2) : وفدى ! .

موظف (3) : ناصرى ! .

موظف (4) : إخوانجى ! .

عبد العال (بك) : مين بقية زملاءك ؟ فين تفاصيل الخطة ؟ .

أحمد : ......

عبد العال (بك) : (يصفعه ) أنت مش عايز تتجوز .. قصدى مش عايز تتكلم ؟ (يشير إلى
الكورس فيمسكونه من يدية ويسحبونه إلى الحائط الخلفى فيضعون وجهه
إلى الحائط ويمدون ذراعيه ممسكين به كالمصلوب ) يا عبد السلام أفندى
الظـاهر الأخ عنده أوراق عايز يختمها ، أختمها لـه ، يا لـله شوف
شغلك."

إن مسرح "محمد سلماوى" مواجهة للتعذيب والإذلال ، واستنكار المطالب المشروعة للإنسان وتحريف الأحلام النبيلة ، وغيرها من الممارسات الفاسدة التى تتفاقم ، وتستشرى فى ظل نقائص اجتماعية أخرى أخطر أوجاعاً وأشد تأزماً ، وعندئذ سوف نتلقى نحن الأبرياء الشرفاء الضربات والطعنات مختومة بخاتم الدولة الذى يتضخم بدوره . فقد تحولت الدولة من سلطة مشروعة إلى سلطة ضاربة تعمل مخالبها وأنيابها باسم شرعية أخرى لن تعدم لها منظرين وخدماً .
ومن هذا المنطلق فجريمة اغتصاب "أحمد " حتى الموت ما هى إلا رمز لامتهان تلك السلطة الجائرة لكرامة المواطن المصرى ، وكبريائه . فقد نجح الكاتب فى الربط بين التعذيب البيروقراطى المحدد بمؤسسة حكومية ، وبين قهر السلطة للشعب ، وكبتها لحرياته.
كما ربط النص بين ذلك القهر ، ومرحلة الاهتزاز الاقتصادى والسياسى والاجتماعى التى شهدتها فترة السبعينيات ، فيقدم لنا صورة حية وصادقة لما كان يحدث فى عصر "السادات" من ممارسات اقتصادية خاطئة فى ظل سياسة الانفتاح ، وما حملته من تداعيات ، وتناقضات ، كالثراء الفاحش ، والفقر المدقع ، والوصولية والانتهازية ، ومن ثم راجت فى السبعينيات قيم الكسب المادى السريع من أقصر الطرق ، وتفشى بين أفراد المجتمع سباق محموم من أجل المادة .

"أحمد : مش عارف أيه اللى جرى فى البلد ؟ ناس كثير بتعمل فلوس ، فلوس
كثير وبسرعة لكن كلها حرام والحلال ما بيعملش فلوس ، اللى بيهلب
بيجمع ملايين واللى ماشى دوغرى هو اللى تعبان .

عبد العال بك : (يتحدث فى التليفون) نعم ! أيوة يا تفيده .. هيه عملتى أيه ؟ كلمتى
عبعاطى؟ .. فى الحمام ؟ طيب اطلبيه تانى قبل ما ينزل يروح الشغل
ومتعرفيش تعترى فيه.

أحمد : أنا مش عايز فلوس حرام ، عايز أكون نفسى عن طريق الشغل مش
النصب . "

إذا كانت اللغة المنطقية هى صاحبة اليد العليا فى المسرح التقليدى ، فهى لا تلعب فى المسرح العبثى الأوروبى إلا دورا ثانويا للتعبير عن حالة اللا تواصل والغربة التى يعانى منها الإنسان المعاصر بعد حربين طاحنتين .
" ولقد أظهرت التجارب اليومية أن اللغة تقف أحياناً فى وجه الحقيقة ، بل وستاراً لها فتكون الحقيقة فى واد واللغة فى واد أخر فثمة هوة سحيقة بين ظواهر الروابط الاجتماعية والحقيقة الكامنة وراءها فى كثير من الأحيان "
وفى نص " فوت علينا بكرة " نجد " أحمد " يتحدث عن سيادة منطق " الفهلوة " فى ظل السياسة الاقتصادية الجديدة ، بينما يخاطب "عبد العال بك " زوجته تليفونياً بشأن بعض المصالح الخاصة به . فقد فعل " سلماوى " فى مسرحيته نفس ما يفعله العبثيون الأوربيون، ولكن بعد ملاءمته لمتطلبات الواقع الاجتماعى المصرى ، فقد تتداخل الجمل دون تواصل إلا أنها تصب فى النهاية داخل قاموس مشترك ، يعكس خلل الأنظمة السائدة ، ويفضح قيم الفردية والبراجماتية التى استشرت فى المجتمع المصرى فترة الانفتاح .
وأمام الأزمة الاقتصادية المتفاقمة بفعل التحولات الجديدة التى شهدتها فترة السبعينيات تحولت " بور سعيد " (المدينة الباسلة ) من رمز للمقاومة الشعبية إلى سوق تجارى للنصب والتهليب .

"أحمد : المدينة الباسلة كلها دلوقتى غش فى غش ، الحاجة إللى بجنيه واحد
بتحط عليها تيكت أفرنجى وكأنها صنع الخارج وتتباع بعشرة جنية على
انها مستوردة ، واللى مستورد فعلا جايبينه من أسواق " الكانتو" مستعمل
وبيبيعوه هنا بأضعاف ثمنه"

كما دفعت ظروف الانفتاح المواطن المصرى ، أو على الأقل أدخلته فى دائرة انتظار انفراج أزماته بالحلول الفردية ، ومنها الرغبة فى الهرب والهجرة عند أول فرصة بحثاً عن حياة أفضل خارج وطنه بدلاً من الهبوط إلى قاع الهاوية ، حيث الفقر والمعاناة ، وهو الحل الذى اختاره "أحمد " بطل نص " فوت علينا بكرة " حيث سعى إلى إيجاد الخلاص الشخصى بالسفر إلى إحدى الدول العربية للعمل بها بعد أن ضاقت به سبل العيش والكسب الشريف داخل بلده ولكنه ما إن يبدأ فى إنجاز مهمة بسيطة لا تتعدى ختم بعض الأوراق الخاصة بالسفر ، حتى يجد نفسه أمام مهمة مستحيلة فى ظل حالة الفوضى والتسيب واللامبالاة التى تعيشها المصلحة بل والمجتمع المصرى بأكمله ، وينتهى الأمر بسحقه والقضاء عليه وتعود نبيلة (خطيبة أحمد) للظهور فى مشهد الاغتصاب الأخير وتصرخ محتجة على أوضاع البلد المقلوبة ، ومتألمة من صور الفساد التى انتشرت فى المجتمع المصرى كالخلايا السرطانية . " إن هزيمة "أحمد " الأخيرة وصرخة "نبيلة" أبلغ تعبير عن هزيمة الفعل الفردى الهروبى ، وهزيمة الانتظار غير المجدى للغد القادم دون حركة جمعية " وهنا تتخذ جريمة قتل أحمد فى نهاية نص سلماوى بعداً جديداً، فبالإضافة إلى كونها رمزاً لقتل البيروقراطية لمصالح المواطن البسيط ، أو كونها فضحاً للتعدى السافر للسلطة الجائرة على حريات شعبها المقهور تحت وطأة الظلم والاستعباد ، فهى تمثل أيضاً فى بعدها الثالث عقاباً مستحقاً لكل معانى الهروبية والانهزامية التى جسدها " أحمد" . فكما أدانت الكاتبة " نهاد جاد " هروب " صفية " فى نص " ع الرصيف " يدين سلماوى " أحمد " ، ويعتبره خطوة انهزامية غير مجدية ، مصيرها الفشل وهو ما يدفع المتلقى إلى إعادة التفكير حول ضرورة التثوير الجمعى ضد الأجهزة الفاسدة التى أثبتت فشلها ، وإثارة الوعى ضد رموز الفساد بهدف القضاء عليها من أجل الإصلاح والتغيير بدلا من اللجوء إلى الحلول الهروبية التى لا تستهدف تغيير النظام بقدر ما ترغب فى الابتعاد عنه لتحقيق الذات خارج محيط القهر الذى يلقى بظلاله على كافة الرؤى الفكرية التى يتضمنها النص .
ومع ذلك يجنح " سلماوى " فى نهاية المسرحية إلى التفاؤل والأمل فى غدٍ مشرق تتخلص فيه مصر من أنظمتها العقيمة إدارياً وسياسياً ليعود أبناؤها الهاربون إلى حضنها الدافئ فمع وقع أختام الدولة على جسد " أحمد " العارى تنظر " نبيلة " أمامها فى الفراغ وتتجه إلى مقدمة المسرح قائلة :

" نبيلة : أحمد أنا شايفة الدنيا بتتغير يا أحمد .

عبد السلام أفندى : حداشر .

نبيلة : شايفة الشمس بتشرق والدنيا بتنور .

عبد السلام أفندى : إتناشر .

نبيلة : شايفة أوراق الخريف بتتساقط وبيطلع مكانها أوراق جديدة .

عبد السلام أفندى : تلاتاشر .

نبيلة : شايفة الخضرة بتكسى الشجرة كلها وبترجعها شباب من تانى بعد ما
ما كان ورقها كله وقع والناس اتصورت انها خلاص ماتت . "

إن أهم ما يميز النص ، الوعى الكامل بالمعاناة الاجتماعية فى ظل الظروف السياسية المعاصرة ، وشحذ الحوافز الفردية والجماعية من أجل الإصلاح والتغيير فى الوقت الذى يندد فيه بالأساليب القمعية للسلطة ، والبيروقراطية ، ومن ثم يمكن أن نضعه فى مصاف النصوص التى تمتلك أدواتاً للضبط الاجتماعى بما لها من دور تنويرى وتثويرى .

المسرح والمجتمع


كثيرا ما تحدث نقاد الأدب عن العلاقة بين الأدب والمجتمع . وتطورت الدراسات النقدية فى هذا المجال بتطور المعرفة البشرية . على الرغم من أن دراسة العلاقة بين الأدب والمجتمع قديمة تضرب بجذورها فى أعماق الفكر الإنسانى إلا أنها دخلت فى القرن العشرين أفاقاً جديدة جعلتها مدار بحث بين كثير من المهتمين بالأدب .
وفى مجال الحديث عن كثافة الارتباط بين المسرح و تصوير الصراع الاجتماعى ، فقد بدأ الحديث عن عنصر الصراع بوجه عام ، بوصفه المقوم الرئيسى للعمل المسرحى ، فى أواخر القرن التاسع عشر ، فشمل كل أنواع الصراع :الاجتماعى والشخصى (الصراع بين الأفراد) والنفسى.ولكنه لم يلبث أن تدرج بعد ذلك ليصبح النوع الاجتماعى من هذا الصراع هو المقصود بصفة أساسية حين يأتى ذكر العلاقة بين المسرح والمجتمع.(1)
ويمكن لنا أن نقسم المذاهب النقدية التى تناولت هذه العلاقة ـ من منظور فلسفى ـ إلى نقد يتجه نحو الواقعية ، وآخر يتجه نحو المثالية حيث يعتمد النقد الواقعى بدوره على النظريات الفلسفية المادية التى تستخدم العلوم التجريبية والتحليل العلمى وطرح الخيال والعاطفة مرتكزة على الشرط الاجتماعى.(2)
ويعتبر "جورج لوكاش" G.LUCKACS فيلسوف الواقعية الأكبر فى النصف الأول من القرن العشرين هو المنظر الأساسى لمبادئ المدرسة الجدلية التى تعود إلى الفيلسوف الألمانى " هيجل " HEGEL ورأيه الذى بلوره فيما بعد " ماركس " MARX فى العلاقة بين البنى التحتية ( علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج ) والبنى الفوقية (الثقافة والفنون والفلسفة ) ، حيث أوضح أن هذه العلاقة متبادلة ومتفاعلة مما يجعلها علاقة جدلية قائمة على التأثير والتأثر .
بمعنى أن أى تغيير فى البناء الاقتصادى والاجتماعى يؤدى إلى تغيير فى شكل الوعى أو مجمل البناء الفوقى الذى يعود فيؤثر فى البناء التحتى من خلال تثبيته أو تعديله أو تغييره ، فالواقع المادى فى تفاعل مستمر مع الأفكار . والتغيرات التى تحدث فى المجتمع نتيجة للتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كلها تؤثر فى الوضع الإنسانى ومن ثم فى شكل الدراما ومضمونها ، وهذا يعنى أن الأدب انعكاسً للواقع الاجتماعى . (3)
هذا ، وكان يظن قبل ظهور الفلسفة المادية أن البنية الفوقية للمجتمع تتطور على نحو مستقل ومتميز كل التميز عن البنية التحتية حتى ربطته تلك الفلسفة بعضه ببعض وفسرته بعد وصله بتطور المجتمع .
"وخلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين أدرك بعض علماء الاجتماع أهمية إيجاد فرع متخصص من فروع المعرفة السوسيولوجية لدراسة الأدب باعتباره ظاهرة اجتماعية مثل باقى الظواهر الاجتماعية الأخرى ، وأطلق على هذا الفرع الجديد من الدراسة أسم ( علم اجتماع الأدب ) "(4)
وقد أكد هذا العلم الجديد على أن الأدب ليس نتاجا فرديا ، بل هو ضرب من ضروب الإنتاج الجماعى ، ومن هنا يتضح أهمية المجتمع فى عملية الإبداع الفنى بشكل عام ، والإبداع الأدبى بشكل خاص ، فالأدب يتأثر بالأوضاع الاجتماعية والتاريخية ، وهو مشروط بالظروف الاجتماعية والتاريخية . والعلاقة بين الأدب والمجتمع هى أولا وأخيرا علاقة تأثير وتأثر ، ولقد أكد عالم الاجتماع الفرنسى "إميل دور كايم" E.durkherm على اجتماعية الظاهرة الأدبية بقوله " أن الأدب ظاهرة اجتماعية ، وإنه إنتاج نسبى يخضع لظروف الزمان والمكان ، وهو عمل له أصول خاصة به وله مدارسه ولا يبنى على مخاطر العبقرية الفردية، وهو اجتماعى أيضا من ناحية انه يتطلب جمهورا يعجب به ويقدره . " (5)
والمسرح بوصفه أحد الأجناس الأدبية يعتبر " أكثر الفنون ارتباطاً بالحياة فهو نشاط إنتاجى جماعى جدلى تتحول فيه الممارسة الإبداعية إلى ممارسة اجتماعية معرفية عبر عمليات الإرسال والتلقى وإعادة إنتاج الدلالة بصورة مستمرة مع كل عرض فى سياق توأمة الحوار الدائم مع الواقع المتغير." (6)
وأكثر النظريات تمثيلا لهذا الاتجاه هى " نظرية الانعكاس " والتى تهتم بالعلاقات والنظم المادية داخل المجتمع ثم تبحث فى طبيعة الصلات والعلاقات والمتبادلة بين المجتمع والأدب من خلال رصد التأثيرات المتبادلة بينها ، تلك الوظيفة التى يبلورها د/ أبو الحسن سلام فى مجال المسرح فيعرفها على أنها " قصر غاية التلقى على الانعكاسات المتبادلة للمجتمع إرسالا واستقبالا مؤكدا على امتطاء الذات الاجتماعية لعلاقات الإنتاج وانعكاسات الصراع الطبقى على بنية النص أو العرض المسرحى " (7) ويتأكد هذا المعنى من خلال كلمات "ماركس " Marx حين يقول : أن الأدب والفن هما سلاح الطبقة ففى المجتمع المقسم إلى طبقات يعكس الأدب والفن بطريقة مباشرة ، أو غير مباشرة معنويات طبقة معينة ، وآرائها السياسية وذوقها الجمالى." (8)
ذلك أن ما طرأ على المجتمع الإنسانى من تطور اقتصادى وسياسى وفكرى فى مطلع القرن العشرين ، وما لحق به من حروب طاحنة عالمية ومحلية وما استجد من نظم سياسية وما خاضته بعض الدول من ثورات وصراعات لنيل الحرية والاستقلال كل ذلك فرض على الأديب دورا فعالا فى المجتمع الذى يعيش فيه والمشاركة فى قضاياه بما يضمن مواجهة الفساد . فالأدب ـ فى نظر الباحثين ـ أداه من أدوات الاصلاح الاجتماعى بوصفة وسيله من وسائل الدعاية الثورية ضد الممارسات الفاسدة (9). ولا يختلف اثنان فى أن هذه الوظيفة التنويرية للأدب هى التى تستهدفها نظرية الانعكاس وهى التى نادى بها الفلاسفة والمفكرون منذ أقدم العصور حيث يؤكد سقراط Socrates على أن "الفن سواء ما كان فنا جميلا أو فنا صناعيا له وظيفة تخدم الحياة الإنسانية والأخلاقية." (10)
وإذا تتبعنا الجذور التاريخية للعلاقة بين الأدب والمجتمع سنجد أن مفهوم الانعكاس يضرب بجذوره فى أعماق الماضى وأن الفكرة التى مؤداها أن الأدب يعكس المجتمع ويصور الواقع الاجتماعى ليست بالفكرة الجديدة بل هى قديمة قدم مفهوم أفلاطون Plato عن المحاكاة .
فقد أشار أفلاطون إلى مفهوم " المرآة التى توضع أمام الطبيعة لتمثل فكرة انعكاس الحياة فى الأدب وأستخدم أرسطو أيضا مفهوم المحاكاة حيث أكد على أن الفنون بصفة عامة تعد محاكاة للواقع وأصبحت هذه الفكرة مألوفة بعد ذلك فى النقد الأدبى ابتداء من عصر شيشرون الرومانى حيث استخدم مصطلح " مرآة العادات " أى أن الاعمال الفنية والأدبية تصور العادات والتقاليد المجتمعية واستخدم هذا المفهوم أيضا لدى نقاد العصور الوسطى وكانت تشير فى هذه الحقبة إلى نوع تعليمى انتشر منذ القرن الثالث عشر حتى القرن الخامس عشر وتقدم أعمال هذا النوع لطبقات مختلفة من الأفراد مثل "مرآة العذارى" "مرآة الراهبات" ....... الخ والمرآة هنا لا تعنى ما هم علية بل ما يجب أن يكونوا عليه ، وبعكس العرف السائد حاليا كانت وظيفة المرآة حين ذاك معيارية وليست تصويرية وقد استخدم شكسبير مفهوم " المرآة والانعكاس " فى مسرحه حيث كان يؤكد على واقعية الفن الذى يجب أن يكون ـ على حد تعبيره ـ انعكاسا للحياة لا تحريفا لها . (11)
ومن المثير للدهشة فى هذا العرض التاريخى الوجيز أن أفلاطون أستاذ المثالية الأول والذى أقصى الشعراء من مدينته الفاضلة قد اعترف بوظيفة الفن الاجتماعية والسياسية فقد ذكر فى كتابه " القوانين " Laws " أن الفن يساهم فى تكوين المواطنين ، ويقوى المجتمع برابطة تصل كل منا بالآخرين . " (12)
وما إن ظهر مصطلح الواقعية فى الأدب فى منتصف القرن التاسع عشر حتى صار تعبير "أن الفن انعكاس أمين للطبيعة " شعارا لها (13) واعتبرت الفن المقبول والذى تباركه هو ما كان مرتبطا بالمجتمع مقدما له ما يتفاعل معه ويغير منه ، وعلى هذا المعتقد فإن الأديب عليه أن يغترف مادته من المنهل العام للمجتمع وأن يغمس قلمه فى مشكلاته وان تكون لديه القدرة على الإحساس بتموجات الحياة الاجتماعية والرصد الدقيق لخلجات المجتمع والاستكشاف الواعى لقضاياه من خلال رؤية ثاقبة وحس مرهف فالتجربة الأدبية تنشأ فردية آنية ، ولكنها لا يمكن أن تبلغ مداها وتحقق ذاتها إلا إذا خرجت من حدود الفرد إلى المجتمع ، ومن الواقع الخاص إلى الواقع العام وغدت المشكلة فى نفس الأديب رمزاً للمشكلة فى ضمير الإنسانية لان المجتمع هو مجال تكامل التجربة الأدبية ، كما انه هو مجال تكامل الفرد .
وترجع أول معالجة حقيقية للعلاقة بين الأدب والمجتمع إلى الفيلسوف الفرنسى "هيبوليت تين" H.taine وعلى غرار سابقيه أمثال "أوجست كونت" Auguste conte 1798 ـ 1856 مؤسس الفلسفة الوضعية وأول من صك مصطلح علم الاجتماع . حاول تين إخضاع الأدب والفن إلى أسس مادية مستقاة من المجتمع تعكس حقائق مؤكدة ومحددة، حيث يرى أن الأعمال الأدبية ينبغى أن تفهم على أنها نتيجة أو محصلة ثلاثة عوامل متمازجة العصر ، والجنس (العرق) ، والبيئة . (14)
فإذا بدأنا بالجنس سنجد أن تين taine قد عرفه فى ضوء السمات النظرية والوراثية والمزاج الانفعالى حيث أشار إلى أن هناك اختلافا واسع النطاق بين الأجناس البشرية بعضها البعض من حيث الظروف المعيشة و الموطن الأصلى والأصل التاريخى .. الخ "حيث يكتسب الجنس الخصائص المميزة له من البيئة الطبيعية والعادات والتقاليد المتوارثة والأحداث التاريخية التى مر بها فى أصله .فضلاً عن الدوافع والرغبات الدفينة التى تلعب دوراً هاماً فى صياغة الفعل الإنسانى وتطويره " . (15)
وبالنسبة للعصر وهو العامل الثانى الذى يحدد شكل ومضمون الأدب ـ كما أشار تين ـ فقد قصد به الأفكار والمفاهيم الإنسانية المسيطرة على روح العصر المنتج للعمل الأدبى وأخيرا أكد تين على دور البيئة كعامل أساسى فى تحديد شكل ومضمون الأجناس الأدبية وتعنى البيئة أشياء كثيرة كالمناخ والجغرافيا الطبيعية والنظم الاجتماعية التى تحتضنها هذه البيئة .
أما نظرية الانعكاس فقد ارتبطت بالمعنى الحرفى لها بـ " لينين " حيث أكد أن إحساسنا وشعورنا ليس سوى صورة للعالم الخارجى وهذا القول يؤكد على أن الاعمال الفنية ـ بصفة عامة ـ ما هى إلا انعكاس للواقع وان الأدب ـ بصفة خاصة ـ مرآه تصور الواقع الاجتماعى فى تناقضه وتعقده ولذلك كان " تولستوى " عند " لينين " مرآة الثورة الروسية لعام 1917 حيث كان مرآة حقيقية لتلك الظروف المتناقضة التى أحاطت بنشاط الفلاحين التاريخى فى هذه الثورة .(16)
ويرى ماركس Marx "أن الإنسان كائن اجتماعى ينبع إبداعه من نشاطه العملى ويطرأ عليه التغير والتبدل بعمله على تغيير الطبيعة وتبديلها."(17)
إن كلمات ماركس تحمل إشارة واضحة للدور الوظيفى للفن فى المجتمع ذلك الدور الذى يؤكده عالم الانثروبولوجيا الفرنسى " ليفى شتراوس" Levi Strauss فى عبارة لها مغزاها ودلالاتها العميقة حيث يقول :
" إن الزهرة التى تنمو فى البرارى دون أن يشعر بوجودها أحد لا تعنى شيئا على الإطلاق ولكنها تكتسب معنى محددا ، وتؤدى رسالة واضحة للجميع ، حين تصبح جزءا فى إكليل الزهور الذى يرسل فى تشييع الجنازات ، أو فى تكوين باقات الزهور التى ترسل للمشاركة فى الأفراح ."(18)
وبالقياس على الفنان نجد أن وجوده الفعال يتحدد بمدى تعايشه لواقعة الاجتماعى والمشاركة فى قضاياه بعرضها والدفاع عنها أو معارضتها من وجهة نظر حرة حريصة على قيام العدالة والمساواة والحرية بهدف الاصلاح والتغيير .
ولا شك أن الأدب كما يقرر رينيه ويليك " نظام اجتماعى يصطنع اللغة وسيطاً له ، واللغة إبداع اجتماعى وإذا كان الأدب يمثل الحياة فإن الحياة ذاتها حقيقة اجتماعية.(19)والكاتب المسرحى حينما يصور لنا كائنا إنسانيا كاملا فهو لا يعيد تصوير الإنسان فقط بل يعيد تصوير المجتمع الذى ينتمى إليه هذا الإنسان . وهذا المجتمع ليس إلا ذرة من الكون ومن ثمة فالفن الذى خلق هذا الإنسان يعكس لنا الكون كله." (20)
ويفسر "بول فاليرى" Paul valery العلاقة بين الفنان وبين الآخرين فيؤكد أن الفنان فى أثناء عملية الخلق الفنى يضع نصب عينيه الذين سيتوجه إليهم بعمله ومدى تأثيره فيهم فيقول : إن المبدع هو ذلك الشخص الذى بإمكانه أن يدع الآخرين يبدعون ، فالفنان والمتلقى يتشاركان بفاعلية وتتحدد قيمة العمل الفنى من خلال هذه العلاقة التبادلية بين كلا منهما . وفى المسرح إذا لم تكن هناك علاقة تفاعل بين خشبة المسرح والمشاهدين فإن المسرحية تموت أو تصبح رديئة أو لم يعد لها وجود على الإطلاق.(21)
وبناءً على ذلك فإن الكاتب عندما يبدأ بالتفكير فى عمل فنى يبدأ بحساب التأثيرات الخارجية، فهو يهتم عن وعى أو غير وعى بالأشخاص الذين سيتأثرون بعمله ، ويكون لنفسه فكرة عن هؤلاء الذين يتجه إليهم كما يتصور من ناحية ثانية الوسائل التى يمكنه أن يحصل عليها لتحقيق هذا التأثير .
ويشير جان دوفينو jean duvignaud ( عالم اجتماع فى مجال المسرح ) إلى محور آخر من محاور العلاقة بين الأدب والمجتمع ،حث "يعتبر الدراما نوعاً من الميزان الثقافى الذى يسجل أزمة القيم والمعايير الأخلاقية لعصر معين ويظهر فضائح الخلاف مع الأخلاق الرسمية " (22)
وقد تناول نقاد الأدب العربى العلاقة بين الأدب والمجتمع بالبحث والتحليل فيؤكد "طه حسين " على أن كل أديب لا يستقى مادته وروحه من حياة الشغب فليس أديبا ، ولا هو بكاتب للأدب وعلى ذلك فلابد من أن تعرف ماذا يقول الشعب وكيف يعيش الشعب وكيف يحكى حكاياته وأقاصيصه ولابد للأدباء من دراسة الأدب والحياة فى البيئات المختلفة للناس، ويرى "أحمد أمين" فى كتابه " النقد الأدبى " أن الأديب ليس حقيقة مفردة مستقلة منعزلة ، بل له صلاته التى تربطه بالماضى والحاضر ، وأفكار الشاعر أو الأديب هى لدرجة كبيرة وليدة البيئة ، وعلى ذلك فخير تعريف للأدب انه التعبير عن الحياة ، أو بعضها ، بعبارة جميلة . وإلى شيء من هذا يذهب " محمد حسين هيكل " فيعرف الأدب بأنه فن جميل غايته تبليغ الناس رسالة ما فى الحياة من حق وجمال بواسطة الكلام إن "طه حسين " ، و " احمد أمين " ، و " محمد حسين هيكل " يقرون بوجود العلاقة الوثيقة بين الأدب والحياة وكلامهم السابق له أثره فيما أنتجوه من أدب مصرى ، وما أضافوه إلى النقد خلال الحقبة الأخيرة من تاريخنا.(23)
ويؤكد "لويس عوض " على أن " الأدب لا ينفصل عن المجتمع ، وليس نشاطاً فى فراغ، فالأدب والفن والفكر والسياسة والإصلاح الاجتماعى ... كل هذه الأشياء أدوات للتعبير الاجتماعى ، وليست مجرد فانتازيا."(24)
أما "نبيل راغب " فيقر بالعلاقة بين الأدب والمجتمع فيقول " أن العلاقة بين الأدب والحياة علاقة عضوية متبادلة تأثيراً وتأثراً مثل العلاقة بين العلم والحياة وإذا كان العلم يغير أنماط الحياة على كل المستويات ، فأن الأدب يقوم بنفس المهمة لأنه يؤثر فى وجدان الناس ويغير من نظرتهم إلى الحياة وبالتالى سلوكهم فيها." (25)
ويؤكد على أنه " لا يمكن الفصل بين الفن والحياة ، إذ أننا لو قمنا بهذه المهمة فسنفصل الروح عن الجسد ومن ثم تصير الروح شيئاً مجرداً لا نستطيع إدراكه أو استيعابه ، ويتحول الجسد إلى جثة هامدة لا حراك فيها." (26)
ويتفق " توفيق الحكيم " مع "جان دوفينو" فى الربط بين المذهب الفنى والمذهب الخلقى حين قال " هناك صلة فى اعتقادى بين رجل الفن ورجل الدين ذلك أن الدين والفن كلاهما يضيء من مشكاة واحدة ، هى ذلك القبس العلوى الذى يملأ قلب الإنسان بالراحة والصفاء والإيمان وان مصدر الجمال فى الفن هو ذلك الشعور بالسمو الذى يغمر الإنسان عند اتصاله بالأثر الفنى ، ومن أجل هذا كان لابد أن يكون مثل الدين قائماً على قواعد الأخلاق." (27)
وبناءً على كل هذه الآراء يمكننا القول بأن الفن والأدب هما من المؤسسات الاجتماعية المتفاعلة مع الواقع الاجتماعى ومتغيراته بغرض الإصلاح والتقويم .
ويمكن أن نشير إشارة سريعة إلى بعض النماذج من المسرح العالمى والمصرى التى تؤكد المقولات والآراء السابقة . فالأدب فى المجتمع الاثينى له بطبيعة الحال أهمية من حيث هو أحد جوانب الحياة الاثينية ، فقد كان مرآة حقيقية لها فأوديسية "هوميروس" تعبر دون شك عن اليونان القديم . ( 28)
فالمسرح اليونانى الذى تميز بتركيزه على الفكر الفلسفى والميتافيزيقى لم يخل من النقد الاجتماعى حيث ينفى عنه "ريموند ويليامز" Raymond Williams ذلك الاعتقاد بأنه ينهض على أسس فردية بحتة ونماذج متفردة ويقول فى ذلك "لقد أصبح من الواضح الآن أن الفعل فى التراجيديا الإغريقية لم يكن ينتمى إلى حالة فردية ، أو ينتمى إلى واحدة من تلك الأحاسيس النفسية التى تخصنا ، ولكنه يمتد بجذوره إلى التاريخ بوجه عام . وينتمى الفعل فى التراجيديا الإغريقية ليس إلى شخصية فردية متميزة ، ولكن إلى الإرث الإنسانى كله ، والى العلاقات المتبادلة فى عالم يتجاوز الإنسان ويتفوق عليه فى النهاية ، وعلى ذلك فان ما نشاهده على المسرح هو فعل عام ولكنه نوعى ومتميز ، وليس فعلاً فردياً شائعاً ، وما نتعلمه من التراجيديا ليس خاصية أخلاقية معينة وإنما نتعلم تقلبات العالم وتحولاته" . (29)
ولنأخذ مثالاً على ذلك بمسرحية "انتيجونى " ، ففى هذه المسرحية يركز " سوفوكليس " Sophocles وعلى مرحلة من مراحل التطور الاجتماعى ، فالقرار الذى يصدره "كريون" بعدم دفن "بولينييس" لخيانته لوطنه ، خروج عن ناموس قديم هو احترام كرامة الإنسان . وخروج "انتيجونى " على قرار كريون ثورة على الوضع الجديد والسلطة الجائرة وتأكيد لناموس اذكى فالصراع فى هذه المسرحية لم يكن فقط صراعاً بين القوانين المدونة التى يمثلها الحاكم كريون والقوانين السماوية غير المدونة التى تمثلها انتيجونى بل هو أيضاً صراعاً يرتبط بالواقع الاجتماعى من خلال محورين: المحور الأول يتمثل فى كونه صراعاً بين قوى الدكتاتورية التى يمثلها كريون وحرية الرأى التى تجسدها انتيجونى . أما المحور الثانى فيتمثل فى كونه صراعاً بين قانونين أخلاقيين متضاربين فى فترة اجتماعية تاريخية معينه . (30)
وقد كان المسرح الأثينى بحق مرآه عاكسة للمجتمع خاصة بعد الضياع الذى بدأ يسيطر عليه عقب هزيمته فى الحروب البلوبونيسية ، والنضوج الديمقراطى الذى أتاح فرصة التعبير عن هذا الضياع ، الأمر الذى أدى إلى ظهور مجموعة من الكتابات التى حاول أصحابها أن ينتبهوا إلى الطريق الأمثل للخروج من المأزق الذى وجد فيه المجتمع الاثينى ، فقد كانت مشكلة السلام تقض مضاجع القدماء كما تقض اليوم مضاجعنا ، وذهبت أحلام القدماء مذاهب شتى فى تصور عالم تختفى فيه الحروب ويسود فيه السلام على وجه الأرض ومنهم "ارستوفانيس" Aristophanes الذى وجد فى قضية السلام مناسبة يجرب فيها فكاهاته المريرة وسخريته الموجعة فيقدمها فى معظم مسرحياته ومنها "ليزستراتا" وفيها تتعهد نساء الدول المتحاربة "ليزستراتا" بالامتناع عن الاتصال الجنسى بأزواجهن حتى يقلع الرجال عن الحرب . (31)
وفى مسرح العصور الوسطى ، نجد بعض الإشارات الاجتماعية فى المسرحيات غير الدينية ، فمسرحية " روبان ومريون" تصور سيطرة الإقطاع ، وتأثيراته السلبية على الفلاحين البسطاء". (32)
كما أن مسرحيات عصر النهضة تعد انعكاساً لمرحلة تطور اجتماعية " إذ هى تصوير للصراع بين الإقطاعية التى تلفظ آخر أنفاسها ومولد المجتمع الطبقى الجديد . ففى "الملك لير " يسجل "شكسبير" Shakespeare بتصويره للعلاقات بين لير وبناته وجولستر وأولاده انحلال العائلة كمجتمع إنسانى والاتجاهات البشرية التى نجمت عن تحطيم العائلة الإقطاعية . " (33)
فقد شُغل "شكسبير " فى عدد كبير من مسرحياته بفكرة الحُكم الرشيد ، وصور ما يمكن أن ينزل بمجتمع من كوارث ضخام حين يخرج الحاكم عما يناط به من وظائف فى المجتمع.
كما قدم " شكسبير " والذى يعتبره النقاد من كبار الرومانسيين ، وإن سبقهم بأكثر من قرن كامل ، قدّم أدباً يعد صورة صادقة للأزمات والمشكلات الاجتماعية التى حلت بالمجتمع الإنجليزى بسبب الحروب الداخلية التى كانت موجودة فى عصره ، ولقد ظهر هذا واضحاً فى العديد من أعماله المسرحية : هملت ، كما تهواه ، مكبث ، تاجر البندقية ، وغيرها . هذا فضلا عن بعض الأعمال الأخرى التى تجسد مختلف جوانب الحياة الاجتماعية وتصور القيم الاجتماعية تصويراً دقيقا. " (34)
فعلى سبيل المثال ، نجده قد صور العلاقة بين الأجير ورب العمل وأبرز الجشع المادى الذى يتحكم فى هذه العلاقة فى مسرحية "كما تهواه" . كما عبر عن وضع اليهود فى أوروبا فى مسرحيته "تاجر البندقية" حيث تسلل إلى عقل اليهودى الجشع وتحسس دوافعه ، لهذا نجده جعل "شايلوك" يعانى من الحقد والظلم اللذين عانى منهما اليهود ، ووضع على لسانه بعض الخطب الرائعة ليجعلنا ندرك هذه الدوافع ، وكانت النتيجة أن الإخراج الحديث لهذه المسرحية غالباً ما يثير الكثير من العطف على " شايلوك" بقد ما يثير من مقت وكراهية لجشعه ."(35)
وقد شهدت الدراما الحديثة تحولات فنية متنوعة جاءت مواكبة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فمنذ منتصف القرن التاسع عشر بدأ الاتجاه نحو الواقعية وتطورت الدراما الاجتماعية التى تعالج مشكلات حقيقية ولا شك فى أن كتاباً مثل "إبسن" Ibsen ، "وشو" Shaw ، و "تشيكوف" Anton Chekhov قد ساهموا فى إحداث تغيرات فعالة .
"فلقد اعتنق الشاعر النرويجى "إبسن" مذهب الواقعية فى الأدب عقب الحروب التى خاضتها روسيا مع الدانمارك ثم مع فرنسا ، وما تبعها من معاهدات ، وأحداث سياسية ، وهزات اجتماعية ، فكرس نفسه لتشخيص أمراض المجتمع ، وأدوات النفس البشرية فبدأ يكتب مسرحياته باللغة التى يتحدث بها الناس ، وسرعان ما أصبح أحد زعماء المدرسة الواقعية ، وفى سنة 1877 كتب "إبسن" المسرحية الشعرية " أعمدة المجتمع" التى عالج فيها مشكلة النفاق الاجتماعى ، ثم مسرحية " بيت دمية " التى وجه فيها سياط نقده إلى وضع المرأة فى المجتمع وعدم مساواتها بالرجل باعتبارها إنساناً له شخصيته وكرامته لا مجرد دمية لا دور لها فى الحياة سوى إمتاع زوجها وتسليته." (36)
أما "شو" فقد تضمنت مسرحياته أراءه فى العلاقات الإنسانية والاجتماعية " وهو كاشتراكى من مؤسسى الجمعية الفابية الاشتراكية فى إنجلترا يعتبر نفسه داعية لها يعبر بفنه المسرحى عن أهمية التحول الاشتراكى للمجتمعات الراقية . إن كل المشاكل التى طرحها شو للمناقشة خلقها فى الواقع المجتمع الطبقى الرأسمالى " (37)الذى أبرز شو سلبياته وتناوله بالنقد اللاذع فى معظم مسرحياته فنراه فى مسرحية " منازل الأرامل" يصور الرأسمالية كالأخطبوط تمد أطرافها فى كل نواحى المجتمع فيستشرى فيه الظلم والفساد القائم على الاستغلال والحصول على المال بأى وسيلة دون اعتبار للقيم الأخلاقية والإنسانية. كما نراه يطرح قضية الصراع الطبقى فى مسرحية " بيجماليون" بوجهة نظر جديدة " فهو يرى أن المسألة ليست مجرد فروق اقتصادية بين الطبقات بل عادات متأصلة فى نفوس أفراد كل منها." (38)
ويرى تشيكوف " أن مأساة العصر الحديث إنما هى مأساة ضياع الهمم والأفكار وسط سلسلة كالحة مريرة من تفاهات الحياة اليومية ، وسخافات العيش الروتينى . إن مأساة العصر الحديث فى نظره هى مأساة البلادة والضياع والهمة التى لا تشتعل إلا ريثما تخبو مأساة الذين لا يهبُّّون لمقاتلة القدر ، بل يتلقون صفعاته صاغرين ولا يملكون إلا أن يأملون فى مستقبل لا توجد فيه صفعات " (39)لهذا تتطلع الشقيقات الثلاث فى مسرحيته التى تحمل نفس الاسم إلى الانتقال إلى "موسكو " ، حربا من الحياة الضيقة العقيمة التى يحياها الجميع فى بلدة صغيرة من بلدان الريف الروسى .
والحديث السابق عن المسرح وارتباطه الشديد بقضايا المجتمع ينقلنا للحديث عن المسرح الموجه الذى يعتبر أيضاً أحد الاتجاهات الحديثة التى تؤمن بفكرة التزام الكاتب بقضايا مجتمعه، محاولاً أن يعكسها فى إبداعاته الأدبية .
ويعرف رفيق الصبان المسرح الموجه بأنه "مسرح تعليمى وتوجيهى وثقافى تختفى وراؤه دائما تيارات سياسية واقتصادية تحاول أن تجعل منه أداه فكريه خطيرة يمكن استغلالها إلى أقصى الحدود." (40) ويعتبر "اروين بسكاتور" Erwin Piscator ـ الذى يعد أول من اعتنق فكرة المسرح السياسى ـ من أكبر رواد هذا الاتجاه فهو لا يريد أن يلعب دور الفنان بل دور السياسى عن وعى وتسليم بالحاجة إلى التعريف بشكل واسع بالصراع الطبقى ، والمشاركة فى قيادته. إنه يريد للطبقة العاملة أن تعرف ، وأن تكافح عن وعى بالحقائق ، لذل فقد سعى إلى تخطيط وتنفيذ نوع جديد من المسرح موجه بالكامل إلى الدعاية السياسية والاجتماعية ويقصد به مسرح الطبقة العاملة (المسرح البروليتارى) (41)
كما أكد بيسكاتور على أن وظيفة المسرح بصفته مؤسسة فنية قد تعدلت ، ولم تعد مهمة المسرح قاصرة على النواحى الجمالية فقط ، بل أصبح من مهماته مخاطبة عقول الجماهير ، بعد أن كان ذلك قاصراً على مخاطبة عواطفهم وانتظار رد الفعل لذلك، لقد أصبح المسرح اتصالاً وثيقاً بالمشاهدين ، وأصبح من ضمن مهماته توصيل المعرفة بوضوح تام ، فالمسرح يصل إلى نهايته المنطقية فى الحياة الاجتماعية والسياسية . " (42)
وقد حذا تلميذه "برتولد بريخت " Bertolt Brecht حذوه حيث يرى "أن المسرح مرآه حقيقية تنعكس عليها مشاكلنا كلها . ويؤمن بعد ذلك أن مسؤولية جسيمة وخطيرة تقع على عاتق هؤلاء الذين يعملون بالمسرح ويعملون من أجله أنهم صنعة التاريخ لذلك لا يحق لهم بشكل من الأشكال أن يهربوا من المؤثرات المدهشة اقتصادية كانت أم سياسية التى تحيط بمجتمعهم ليعالجوا مشاكل عاطفية بعيدة عن التأثير المباشر أو التوجيه الفكرى العميق. (43)
فقد جاءت المحاولات التى قام بها "بريخت " فى المسرح كرد فعل للتغيرات التى لحقت بالمجتمع الألمانى فى أعقاب الحرب العالمية الأولى وما أحدثته هذه الحرب من تغير فى الوعى السياسى والاجتماعى نتيجة لانهيار كثير من القيم "فلقد كان هدف "بريخت" الأول أن يجعل المتفرج يرى العالم الحقيقى ويفهمه ، أن يجعله يفهم كيف تدور الحياة فى المجتمع الرأسمالى المعاصر بحيث يسعى إلى تغييره فلقد كانت مسرحيات " بريخت " تعكس قضايا الإنسان وصراعه المرير مع القهر والاستغلال." (44)
ويظهر هدفه هذا بوضوح فى مسرحية " الاستثناء والقاعدة" حيث لخص " بريخت " على لسان مجموعة الممثلين فكرته عن المسرح الذى يجب أن يكون هدفه توجيه المتلقى لتغيير الواقع الذى اعتدنا علية لتصحيح الأخطاء التى أصبحت قاعدة على الرغم من أنها لابد أن تكون هى الاستثناء .
وقد اعترض "بريخت " على نظرية "أرسطو" فى المسرح التى تقوم على محاكاة الواقع وإيهام المشاهدين بأن ما يشاهدونه هو هذا الواقع فعلاً وحاول أن يتخطى هذه المحاكاة ، وهذا الإيهام إلى مفهوم آخر للمسرح (المسرح الملحمى ) حيث يناقش الواقع مناقشة ديالكتيكية بقصد تنوير الجماهير بحقائق هذا الواقع ، فهو يرى أن المسرح رسالة اجتماعية وسياسية لابد أن يستفيد منها المتلقى ، وأن ينعكس هذا على تصرفاته حيال القضايا الاجتماعية التى تواجهه لذا فهو لا يريد للمتلقى أن يتقبل الواقع كما هو ، بل يريد له أن يناقشه عقلانياً ويفرق بين ما هو قاعدة وما هو استثناء . وفى أعمال رائد الوجودية "جان بول سارتر" J.P.sartre ما يؤكد قوله بأن " لا وجود للفن إلا بواسطة الآخرين ومن أجلهم " (45)، فهو يرى أن هدف الكاتب هو "أن يساعد على إحداث تغييرات محددة فى المجتمع الذى يعيش فيه وأن يتحالف مع كل الراغبين فى تغيير وضع الإنسان الاجتماعى ومستوى إدراكه بحيث لا يدع إنساناً يجهل العالم أو يدعى السذاجة " (46)، فنجده وقد قاد هجوماً عنيفاً على ألمانيا النازية بوصفها محتل غاصب لأرض بلاده فى مسرحيته "الذباب "، كما نراه ناقداً لاذعاً للمجتمع الأمريكى متهماً إياه بافتقاده لمفاهيم المساواة الإنسانية مما لا يتناسب مع مكانة أمريكا على الساحة العالمية بطرحه لقضية التفرقة العنصرية فى مسرحية "المومس الفاضلة " . وتعرض مسرحية "الجحيم " فى صورة نتوء بارز العلاقات والصلات البشرية التى لا يمكنها أن تقوم أو تستقيم وسط عنف التصادمات التى تنجم عن الأنانية وتضارب المصالح ليصبح الجحيم هو الآخر الذى يعذبنا وينكر علينا حريتنا بان يصدر ضدنا أحكاماً يديننا بها ومن ثم يصبح قاضياً وجلاداً فى نفس الوقت .
" ولعل السبب فى نظرة سارتر المتشائمة إلى علاقة الإنسان بالآخرين لا ينحصر فى طبيعة سارتر أو تكوينه النفسى إنما يعزى إلى أن مسرحه قد ولد فى جو فرنسا المحتلة وفى عصر المقاومة الشعبية وما تبع ذلك من وحشية الاستعمار وألوان الخيانة بين الفرنسيين أنفسهم مما جعل هذا المسرح يستنشق هواء الحرب والقتل والتعذيب ويفوح بجميع ضروب الإذلال التى توجه ضد روح الإنسان وجسده وسعادته." (47)
إن الإبداعات الأدبية لسارتر فى النصف الثانى فى القرن العشرين كانت تعكس أزمة القيم التى يعيشها الإنسان فى ظل الحرب العالمية الثانية ، فكرة اغترابه عن العالم.(48)
وفى المسرح الأمريكى اتخذ "يوجين أونيل " Eugene O neille بعض المواقف من العاهات الاجتماعية عبر مسرحياته الأولى إلا انه قد مال إلى التعمق فيها عبر مسرحيات لاحقه كما فى الإمبراطور جونس ، "القرد المشعر" "أبناء الله كلهم لهم اجنحة" ، وتتناول الأخيرة قصة زواج بين امرأة بيضاء وزنجى ، وقد أثارت هذه المسرحية عاصفة من الاحتجاج العنصرى وضجة فى الأوساط الأمريكية لأنها فضحت واقع التمييز العنصرى والطبقى.(49)
وعندما ظهرت مسرحية "وفاة بائع متجول" للكاتب الأمريكى " آرثر ميلر " Arthur Miller اعتبرها النقاد قمة الجهود التى بذلها كتاب المسرح من أجل التعبير عن الحياة الأمريكية تعبيرا واقعياً ناقداًً فقد اعتمدت فى نجاحها على كونها نموذجاً طيباً لما يمكن أن نسميه بمسرحية الطبقة الوسطى ، فهى تهتم بمصير رجل عادى يعيش فى بيئة عادية إلا أنه يتمسك بمعتقداته وأحلامه ، وتقدم دراما شعرية تضرب بجذورها فى أساليب الأمريكيين وعاداتهم.(50) كما عالج " ميلر " موضوع مسرحيته "كلهم أبنائى " من قصة واقعية حدثت فى الغرب الأوسط من الولايات المتحدة لإحدى الأسر التى تحطمت عندما أسلمت ابنة أباها للسلطات بعدما اكتشفت أنه كان يبيع أسلحة فاسدة للجيش أثناء الحرب (51)
وعلى مستوى المسرح المصرى فإن الفضل يعود إلى ثورة 23يوليو فى السير به إلى مرحلة من النضج والوعى بشكل لم يسبق له مثيل ، فقد تأثر المثقفون والمفكرون بالأفكار الاشتراكية التى تدعو الأدباء إلى أن يضعوا أنفسهم ومواهبهم فى خدمة المجتمع فقد أشاعت الثورة عند الكُتاب عنصر الالتزام بما أمدت به الجماهير العريضة من مفاهيم ثورية وأوضاع جديدة على المجتمع المصرى . وفى مقدمتها تقديس العمل من أجل المجموع لا الفرد ، "فمن الكتابات الموالية للثورة المتفاعلة مع توجهاتها كانت " الأيدى الناعمة " لتوفيق الحكيم تجسيداً للشعار الذى أطلقته الثورة على لسان قائدها " جمال عبد الناصر " حيث (العمل حق ، العمل واجب ، العمل شرف ). " (52)
كما أسهم " ألفريد فرج " بمسرحيته " على جناح التبريزى وتبعه قفة " فى الترويج لفكرة التأميم ، والعدالة الاجتماعية.
" أما "سعد الدين وهبة " فقد كرس بدايات مسرحه لقضايا المجتمع والفساد السياسى والاجتماعى وآثاره السلبية على الطبقات الدنيا وخاصة فى الريف المصرى فكتب (المحروسة ـ كبرى الناموس ـ السبنسة ـ كفر البطيخ ) ، وانشغل فى المرحلة التالية على بداياته المسرحية بنقد تجربة الثورة فى مسرحياته ( المسامير ـ سكة السلامة ـ ياسلام سلم الحيطة بتتكلم )." (53)
" كما اعتنق "نعمان عاشور " منطق الواقعية الحديثة فى ثوب الكوميديا التى تتجه فى صرامة نحو النقد الاجتماعى وعلى هذا فقد اتجه أسلوبه فى " الناس اللى تحت " إلى نقد المجتمع بصورة فيها سخرية وتهكم حافل بالعناصر الفكاهية ، ومن ناحية أخرى نجد الإحساس المأساوى تجاه الطبقات الفقيرة التـى تكالبت عليها سطوة الطبقة الغنية أو السلطة."(54)
ولقد حافظ " يوسف إدريس" فى كل أعماله على فكرة البحث عن حياة افضل تضمن للإنسان العدل والحرية . تلك الفكرة التى قامت عليها " جمهورية فرحات " والتى حلم فيها بجمهورية مثالية يوجد فيها عمل ورفاهية وعدل وحرية وبالتالى يستطيع الإنسان فيها أن يجد معنى لوجوده بعيدا عن الفقر والتفرقة الطبقية .
´وفى " المخططين " وهى المسرحية التى يعرض فيها " يوسف إدريس " بوضوح شديد اهتمامه بالقضايا السياسية ، يوضح طبيعة النظام السياسى والعلاقة بين المجتمع ونظام الحكم فنراه يدين بطريقة رمزية كاريكاتورية موقف الحياة السياسية المصرية فى نهاية الستينات والذى نجد فيه تحول نظام الحكم إلى نظام ديكتاتورى." (55)
لقد تأثر كتاب المسرح المصرى بالمناخ الثورى واستطاعت الثورة أن توقظ فيهم إحساسهم بقوميتهم فظهر الكاتب المسرحى الموالى للفكر الثورى والكاتب المنتقد له بشكل رمزى خوفاً من بطش السلطة ، فقد استطاعوا ربط الفكر بالحياة والتوغل إلى صميم معترك المتناقضات الاجتماعية فى محاولة لإيقاظ وعى المتلقى ليدرك حقيقة الواقع ومن ثم يمكنه إصلاحه وتغييره.
ومما سبق يتضح لنا أن للمسرح عبر العصور التاريخية المختلفة دوراً وظيفياً يتمثل فى أنه يعكس المشكلات الحياتية بصورة واضحة ودقيقة تكشف النقاب عن الواقع الاجتماعى وعن علاقة الإنسان بهذا الواقع .
ولقد وجهت إلى نظرية الانعكاس بعض الانتقادات والاعتراضات من قبل النقاد والمشتغلين بالأدب حيث انتقد البعض مسمى " الانعكاس " رافضاً قصور دور المسرح على النقل الحرفى للواقع ، وهدمها البعض الآخر ليشيد محلها نظريات تمجد الدور الترفيهى للمسرح وتقصره على المتعة والتسلية .
فقد أكد " رايموند ويليامز" Raymond Williams على أن هناك مفهوماً أخر معدل لمفهوم " الانعكاس " وهو التوفيق أو " التوليف " الذى يدل اسمه على عملية فعالة وليس على تلك الآلية السكونية التى توحى بها كلمة انعكاس ، ويرتكز المفهوم الجديد على عاملى الفاعلية واللامباشرة ، حيث يقدم تصوراً متميزاً لموضوع العلاقة بين الأدب والمجتمع تجاوز مسألة انعكاس الواقع مباشرة فى الأدب مؤكدا على أن الواقع يمر بعملية "توفيق" تغير محتواه الأصلى أو على الأقل تغير صورته من خلال إسباغها لنسق خاص أو شكل خاص على هذا المحتوى الواقعى الخارجى ، إذ ينطوى التوفيق على نوع من التعبير غير المباشر الذى يتحور فى الواقع الاجتماعى من خلال أشكال متعددة من الإسقاط أو التقنيع وبذلك يمكن بعملية تحليل مناقضة استعادة صورة الواقع الاجتماعى الأصلية بعد نزع الأقنعة أو تعرية الإسقاطات.(56)
وبذلك فقد أفسح المفهوم الجديد المجال أمام العقل الواعى بالواقع بوصفه المرآة التى تتلقى الصورة قبل أن تعكسها ، والتى تتعامل بالقطع مع هذه الصورة بفاعلية يترتب عليها تغير الكثير من ملامحها وتفاصيلها فى عملية أقرب إلى إعادة الصياغة منها إلى الانعكاس ، فهو يرى أن مهمة الأديب لا تقتصر على النقل الحرفى للواقع بل تتعدى ذلك إلى صبغته برؤية الفنان التى يحددها فكرة وخياله ، بالإضافة إلى العبقرية الشخصية أو الموهبة الذاتية التى تداركها "تين" وأضافها إلى ثالوثه (البيئة ـ الجنس ـ العصر ) " حين أشاد بعبقرية "شكسبير " فى مقدمة كتابه عن الأدب الإنجليزى حيث أشار إلى أن هناك أشخاصاً أدباء كبارا يرتفعون بقاماتهم عن الوسط الذى عاشوا فيه ، ويحققون بمواهبهم مستويات نوعية من الإبداع لا يمكن أن تفسر فقط طبقاً لنظريته السابقة ، بل لابد من إدخال عامل آخر ، وهو عامل الموهبة الفردية وعبقرية الأشخاص فى حساب الناقد والدارس للإبداع الأدبى."(57)
ويرى الباحث أن مفهوم " التوفيق " يحمل فى طياته اعترافاً ضمنياً بضرورة أن يعكس الأدب الواقع الاجتماعى على أن تتم عملية " الانعكاس " على مستوى المضمون لا الشكل بحيث يتخذ الأدب من المجتمع مادة خام قابلة للصياغة والتشكيل ليعكسها من منظورات متعددة قد تكون رمزية أو تعبيرية أو ملحمية حسب الرؤية الفكرية الخاصة بالمؤلف والتى يبلغ بها أعماق الضمائر والقلوب لتحقيق التأثير المتبادل بينه وبين جمهوره ، وهذا ما يؤكده "ماركس" بقوله :" أن الفنانون صوروا العالم بأشكال مختلفة غير أن مهمتهم هى تغييره."(58)
وعلى مستوى النقد العربى يؤكد "فاروق عبد الوهاب " على أن " تاريخ الفن فى العالم عبارة عن محاولات متصلة من جانب الفنانين لحل مشكلتهم الأزلية مع شكل فنهم فالمضمون واحد والهدف الأساسى من وراء الفن الواحد ، فالمضمون لا يخرج دائماً عن حياة الإنسان ، وحياة الناس وعلاقاتهم ببعضهم البعض ، وتصوير هذه العلاقات من زاوية جديدة ، زاوية خاصة . فالعلاقات موجودة ، ولكن الجديد الذى يقدمه لنا الفنان هو أن يرى هذه العلاقات فى ضوء جديد ، وغالباً ما يكون ضوءه هو الخاص ، وهذه الخصوصية هى التى تضفى على المضمون جدته، ومن ثم شكله الجديد فما يميز الفنان عن غيره من البشر هو قدرته على أن يرى تكوينات جديدة فى أشياء لم تجذب انتباه غيره من الناس"( 59)، مع الأخذ فى الاعتبار أن أى تجديد فى الشكل لا يخدم غرضاً ولا يستمد مبرراته من مضمون اجتماعى يظل شكلاً عقيماً تماماً لا ثمرة فيه ، وتأكيداً لهذا المعنى يستنكر "رشاد رشدى " ـ وهو أحد المتحمسين لمدرسة النقد الحديث ـ النقد الذى وجه إلى مسرحية "الأرانب" بشأن تحول بطلها إلى امرأة وتحول البطلة إلى رجل بدعوى أن هذا مخالف للواقع الحياتى ويرى أن " المؤلف " لطفى الخولى " يدعو إلى أن يحدث هذا التحول فى الحياة والواقع ، وأن هذا التحول ـ فى مجال الدراما ـ ليس إلا تجسيداً للمشكلة الاجتماعية التى يعالجها المؤلف ، وهو فى إطارها العام ضرورة أو حتمية التغيير فى مجتمع متطور متطلع، وفى إطارها الخاص حقيقة مساواة المرأة للرجل فى مثل هذا المجتمع أو رفض الرجل لهذه الحقيقة وضرورة تقبله لها ، بل وضرورة تقبل المجتمع للتطور والتغيير الدائم لأن هذا شيء طبيعى." ( 60)
إن رشاد رشدى يطالبنا بأن ننسى الواقع كما نعرفه ونستبدله بالواقع الدرامى ، حيث الصورة المسرحية المقدمة بأشكال جديدة ممتزجة برؤية المؤلف .
كما أن هذه الأشكال على اختلافها ليست نتاجاً فردياً ، بل هى وليدة ظروف اجتماعية معينة ساهمت فى إفرازها وهذا ما يشير إليه "إرنست فيشر" Ernst Fischer فى قوله "إن التاريخ الاجتماعى للفن يؤكد أن الأشكال الفنية ليست مجرد أشكال نابعة من الوعى الفردى ـ يحددها السمع والبصر ـ وإنما هى إلى تعبير عن نظرة إلى العالم يحددها المجتمع " ( 61).
وإلى شيء من هذا يذهب "لوسيان جولدمان" L. Goldman أحد رواد الاتجاه البنيوى التكوينى ( التوليدى) ، والذى تأسس موقفه من دراسة الأدب على النظرية المادية الجدلية ، "فالأدب فى نظر جولدمان " مثله مثل المجتمع ، هو كل متكامل ، فكل عمل أدبى لا يمكن فهمه إلا من خلال فهم أجزائه المكونة له فى علاقتها مع بعضها البعض ، إلى جانب ذلك نجد عنده الاهتمام ببنية المقولات التى تكشف عن رؤية للعالم " (62) بمعنى أن البنية الفكرية للعمل الأدبى تولد وتجسد بدورها بنية اجتماعية طبقية .
والدليل على هذا أن الحرب العالمية الثانية بوحشيتها اللامعقولة وتخريبها الهمجى المدمر كانت سبباً فى توجيه كتاب الدراما لصياغة موضوعاتهم فى شكل درامى عبثى للتعبير عن الواقع بغير الواقع والالتجاء إلى اللامعقول واللامنطقى فى كل تعبير فنى .
حيث يعتقد كتاب المسرح العبثى ، أن وجودنا فى الحياة هو العبث بعينه لأننا نولد بغير إرادتنا ونموت بدون أن نسعى للموت ونحيى ما بين المولد والممات محتجزين فى أجسادنا وعقولنا ، ولهذا جاءت لغة العبث مفرغة من المعنى لتؤكد لا جدوية الأفعال ، أو تناول الأفكار بين الناس . (63)
ومع ذلك لم تخلوا إبداعاتهم من المضامين الاجتماعية ، فعلى سبيل المثال تكشف مسرحية "الخرتيت" للكاتب العبثى " يوجين يونسكو" Eugene Ionesco القناع عن أحد الأوضاع الاجتماعية السياسية الفاسدة حيث ما يسميه يونسكو ( داء الخرتيت ) هو النازية التى كانت عند نشأتها بين الحربين العالميتين اختراعاً أو ابتكاراً من المفكرين أو الأيديولوجيين الذين يتفننون فى خلق عقائد جديدة ، فهم لا يفكرون ولا يتأملون فيما يقولون إنما يحفظون عن ظهر قلب بعض الشعارات العقائدية أو الفكرية يقومون بإلقائها بصورة أليه كقطعة المحفوظات فى أفواه التلاميذ ، ويزيفون الفهم والمفاهيم ، ويحاربون روح التعايش السلمى ، حيث أن الخرتيت لا يمكن أن يتفاهم مه من ليس خرتيتاً مثله لذا يأمل " يونسكو" أن ينهج المتلقى نهج " بيرنجيه " بطل المسرحية فى نبذه للأيديولوجية التى تحيط به وذلك برفضه أن يكون خرتيتاً . (64)
ويتضح مما سبق انه مهما اختلفت الرؤى والأشكال الفنية التى ينسج منها الكاتب إبداعاته فأنها تلتقى فى النهاية عند نقطه أو أرض مشتركة واحدة تؤكد أن العلاقة بين الأدب والمجتمع علاقة ديناميكية والتأثير بينهما متصل متمازج تختلط فيه الذاتية بالاجتماعية عن طريق التفاعل القائم بينهما .
أما عن النظريات والاتجاهات المناهضة لنظرية " الانعكاس " فتعتبر نظرية "الفن للفن" واحدة من أهم النظريات التى أقرت بقطع الصلة بين الأدب والمجتمع ، " فقد قامت دعوة الفن للفن فى مطلع القرن التاسع عشر كنوع من الهروب من تبعات الحاضر ، فتجاهل الأدباء لذلك العهد ـ فى أدبهم ـ مطالب عصرهم ، وهدفوا إلى خلق أدب هو صورة الترف فى ذاته وكانوا لا يحفلون بالغايات الاجتماعية والخلقية " ( 65) ، ويرون أن "العمل الفنى الجديد له توافقه وانسجامه الداخلى وعلى هذا الانسجام يتوقف الأثر المطلوب لا على اتفاق العمل مع الحياة أو اختلافه عنها . " ( 66)
وينظر بعض النقاد للدعوة السابقة كرد فعل للمذهب الرومانتيكى ، الذى لا يحفل بغير الترجمة عن العاطفى الشخصية ، وينزل بالأدب إلى مستوى الوسيلة ، حيث يرى أصحاب " مذهب الفن للفن " أن من حق الأدب أن يصبح غاية فى ذاته ، لا مجرد وسيلة للتعبير عن المشاعر الخاصة .(67)
ومن هنا جاء تعريف إبراهيم حمادة لنظرية الفن للفن على أنها " اتجاه جمالى فى الخلق الفنى هدف به أصلاً الشاعر والناثر "ثيوفيل جويتيه " ( 1811 ـ 1872) إلى الثورة ضد استخدام الفن كأداة للتعبير عن الذات . إن هدف الفن ـ فى نظره ـ ينبغى أن يكون لذاته الجمالية لا أن يكون وسيلة للإفصاح عن مشاعر الفنان الخاصة ." ( 68)
وقد انبثقت هذه النظرية عن الفلسفة المثالية التى يعد الفيلسوف الألمانى " كانط" Kant أهم روادها ، حيث تقوم فلسفته على الإيمان بعدم وجود عالم خارجى منفصل عن الإنسان وأن الحقيقة هى نتاج النفس البشرية وبأن الشيء ما هو إلا فكرتنا عن الشيء أى أن الحقيقة هى مجرد أفكار لا دلاله لها فى عالم خارجى محسوس ، وفى ظل نظريته لم يعد الشعر محاكاة للطبيعة كما كان الاعتقاد فى القرن الثامن عشر وإنما محاكاة الخلق نفسها أى أن العمل الفنى كائناً عضوياً مستقلاً عن أى شيء خارجه . (69) فهو يعد المتعة الفنية غاية فى ذاتها فلا ينبغى أن نبحث وراءها عن غاية خلقية أو اجتماعية ويعتبر أن " الجمال هو رضاء مجرد من الغرض. " ( 70)
" فهو لا يرى عناصر الجمال إلا فى الشكل أو المضمون فيلقى به خارج نطاق علم الجمال " (71)
وتعتبر آراء " كانط " هى الدعامة الأساسية لدعاة نظرية الفن للفن حيث عادت إلى فرنسا فى أوائل القرن التاسع عشر كوكبة من المثقفين الفرنسيين المهاجرين الذين أسهموا فى نشر أفكاره وفلسفته ومنهم الشاعر " جويتيه " الذى يقول فى مقدمة ديوانه "قصائد أولى" ( 1832) " إذا كان هناك ثمة هدف يحاول هذا الكتاب تحقيقه فهو فقط يحاول أن يكون جميلاً. " ( 72)
ويعتبر أوسكار وايلد Oscar Wilde واحداً من أنصار هذا المذهب ، وكانت مسرحية "سالومى " ثمرة من ثمار دعوى الفن للفن حيث لا مجال للاعتبارات الدينية أو الأخلاقية أو القومية عند التعامل مع نص كهذا . ( 73)
إن هذه المسرحية تعرض تصويراً قوياً للحب الجسدى الشهوانى العنيف ، ولكنها تفتقر إلى المبررات التى يمكن أن تقنع المتلقى بهذا الحب ، إذ ليس من السهل أن تصدق كيف أن سالومى ، تلك الفتاه العذراء تندفع فجأة وبدون مقدمات فى حب يوحنا المعمدان لتصل إلى تلك الدرجة من الشهوى الجسدية دون الإحساس حتى بأى نوع من الحياء أو الخجل.
كما رفع ت . س إليوت T.S Eliot راية مذهب الفن للفن فى أول عهده بالنقد ( وهى المرحلة التى تبدأ فى عام 1917 ) حيث كان همه كله منصرفاً إلى توفير الأسس الجمالية فى العمل الأدبى ، فيها كان يفر " إليوت " مما يسميه ( خلط الأجناس ) يقصد بذلك خلط الأدب بالفلسفة أو بالاجتماع ، فهو يرى أن العمل الأدبى ليس وسيلة ولكنه غاية فى ذاته ن ولا يمكن أن يكون إلا صوره لنفسه فقط ، إلا أن " إليوت " كان فى المرحلة الثانية من مراحل تطوره أقرب إلى النزعة الواقعية حيث ذكر فى مقدمة كتابه "الغابة المقدسة" (1928) أنه مهما قيل فى استقلال الفن ، ومهما أجتهد أهله فى الاكتفاء به غاية فى ذاته ، فأنه لا بد وأن يمس مسائل الخلق والدين والسياسة . ( 74)
وعلى الرغم من بزوغ نظرية الفن للفن فى مطلع القرن التاسع عشر ، إلا أن جذورها تمتد إلى القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد " ، حيث شاعت بعض الآراء والنظريات التى انتهت إلى نظرية حسية فى الجمال غايتها : أن الفن هو إحداث لذة عند الجمهور المتذوق . وعلى الفنان أن يقدم للجمهور ما يلذة ويرضيه لا ما يجب عليه أن يعمله ، حتى ولو كان ذلك الفن تمويها وغير مطبق للحقيقة الموضوعية . ومن الطبيعى أن يثور أفلاطون وأمثاله على هذه النظرية الحسية فى الجمال ، حيث أصبح الفن عند محترفيه مجرد قواعد محفوظة وصفها أفلاطون بأنها لا توجه الجمهور إلى الخير بل إلى اللذة . ولما كان هذا الفن لا ينطوى على خير ولا حقيقة ولا جمال ، فقد وصفه أفلاطون بأنه خيال ومحاكاة مزيفة للحقيقة ، واستبعده من مدينته الفاضلة " (75)
وعلى هذا النحو يمكن أن نأخذ بعين الاعتبار أن نقد أفلاطون كان موجهاً إلى الاتجاهات الجديدة فى الفن والفكر المعاصر له ، فهو لم يوجه اتهامه إلى الشعر على الإطلاق بل إلى الشعر بقصد اللذة .
لقد جاءت أسطورة نفى أفلاطون الشعراء فى مدينته المثالية نتيجة لإساءة فهم كتاب الجمهورية إذ ذكر أفلاطون الشاعر بقوله (علينا أن نبجله باعتباره شيئاً مقدساً وساحراً وممتعاً، علينا أن نعرفه بأنه لا وجود لمن يماثله فى مدينتنا ، وأنه لا يسمح بوجود هذا المثيل وعلينا ألا نعمده بزيت الرايتنج ونكلل جبينه بالغار ، وأن نقصيه إلى مدينة أخرى . ومن ناحيتنا نبحث لصالحنا عن شاعر أخر أكثر جفافاً وأقل قدره على التسلية وحكاية القصص بقوم بتمثيل أحاديث الرجل الخير لنا ) ( 398 A ) . ويؤكد لنا من يسيئون فهم أفلاطون بأن ضحية هذا الإبعاد هو الشاعر على الإطلاق . ولو أنهم قرءوا العبارة إلى أخرها كما جاء ذكرها هنا ، لأمكنهم أن يروا أنه لا يمكن أن يكون المقصود كذلك ، فهو لم يقصد الشاعر التمثيلى على الإطلاق ، بل قصد الشاعر الذى يعمل على التسلية والذى يمثل ببراعة رائعة وبطريقة مثالية للغاية التوافه والمنفرات . " ( 76)
وقد واجهت دعوت الفن للفن نفس المعارضة التى واجهتها النظرية الحسية فى الجمال فى عصور ما قبل الميلاد ، فلقد عاب الاشتراكيون على الدعوة محاولة فصلها عن المجتمع.
كما قاد " سارتر" حملة ساخرة على هؤلاء الذين يحصرون قيمة الأدب فى نواحيه الفنية وينفون أن يكون للأدب تأثير أو هدف، فرفض الفصل بين الجمال الفنى والقيمة. (77)
وأقر بان الكاتب الذى يتبع تعاليم دعاة ( الفن للفن ) ، يهتم قبل كل شيء بكتابة أثار لا تخدم شيئا البتة ، أثار محرومة من الجذور ، وهكذا يضع نفسه على هامش المجتمع ، أو لا يقبل بالأحرى إلا يمثل فيه إلا بصفة مستهلك محض ، وعلى وجه الدقة كطالب متعه . فالفن الخالص والفن الفارغ سواء بسواء ، والدعوى إلى مثل هذا الفن ـ فيما يرى "سارتر" ـ ليست إلا ذريعة تذرع بها نكرات القرن الأخير لأنهم أبو أن يسلكوا سبيل التجديد والكشف وأن يبدعوا شيئاً ذا قيمه . ( 78)
ويرى الباحث أن قصور دور الفن على إبراز النواحى الجمالية يقلل من فرص خلوده ، إذ أن الجمال ليس مطلق فكما يتغير مقياس الحياة بتغيير ظروفها يختلف الإحساس بالجمال من عصر إلى عصر وكذلك من طبقة إلى طبقة .
كما يرى أن قصور وظيفة الفن على المتعة والتسلية ، إنما هو دحض لقيمته وإغفال لدوره الفعال فى الارتقاء بمستوى الحياة الواقعية إلى المثالية ، فلو كان الفن هو ما يجلب المتعة فيمكننا الاعتراف بان الطعام الطيب وشم الروائح الذكية ومختلف الأحاسيس المادية الأخرى يمكن أن تعتبر فنوناً .
ويتفق الباحث مع جلبرت موراى Gilbert Murray فى قوله بأن إبداع أى عمل فنى لابد وأن يقوم على قصد المنفعة والاستخدام ، فليس ثمة صورة ترسم لأناس عمى ، ولا يبنى قارب فى غير وجود ماء . ( 79)
إلا أنه يضيف لرأى "جلبرت موراى " رفض " سارتر " للفصل بين الجمال الفنى والقيمة حيث يرى الباحث أن وظيفة الفن كمنشط لوعى المتلقى تجاه الممارسات الاجتماعية التى تحيط به لا تتعارض مع طبيعته كوسيلة للإمتاع والترفيه وأن رعاية القيم الجمالية ضرورى للفنان وضرورى للفن وإلا تداخلت الخطوط بين العلم والأدب ، وأنه إذا تضافرت القيم الجمالية التى يتضمنها العمل الفنى مع القيمة الاجتماعية التى يهدف إليها المبدع لخلق عمل متكامل يجمع بين الإقناع والإمتاع أصبح للفن هدفٌ أسمى من أن يكون لمجرد التسلية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش :
ــــــ
1- أمل فضل حركة : ظاهرة المخلص بين الفرد والمجتمع ،(مجلة كلية الآداب ) ، المجلد
الحادى والخمسون ، جامعة الأسكندرية ،2000 ،ص7.

2- رمضان سليم : البعد النقدى، قراءات فى الأدب والفكر، الدار الجماهيرية للنشر
والتوزيع والإعلان ، ليبيا، 1987، ص 14، 15 .

3- صلاح فضل : مناهج النقد المعاصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة ،
1996 ، ص 43.

4- محمد على البدوى :علم اجتماع الأدب، النظرية والمنهج والموضوع، دار المعرفة
الجامعية ، الإسكندرية ، 2004 ، ص 13 .

5- على عبد المعطى: فلسفة الفن، رؤية جديدة، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية،
1984، ص 71 .

6- نهاد صليحة : المسرح بين الفن والحياة ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،
القاهرة ،2000، ص 11 .

7- أبو الحسن سلام: اتجاهات فى النقد المسرحى المعاصر بين النظرية والتطبيق،
مؤسسة حورس الدولية للنشر والتوزيع، الإسكندرية، 2005، ص2.

8- محمد على البدوى : مرجع سبق ذكره ، ص 147 .

9- Elizabeth and Tom Burns, Sociology Of Literature and Drama, London, Penguin Books, 1973, P.374.

10- حسين الحاج حسن :علم الاجتماع الأدبى، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر
والتوزيع ، بيروت ، 1983، ص 261.

11- محمد على البدوى : مرجع سبق ذكره ، ص 130.

12- جون فريفيل :الأدب والفن، فى ضوء الواقعية، ترجمة: محمد مفيد
الشوباشى، دار الفكر العربى ، القاهرة ، د ت ، ص 5 .

13- محمد على البدوى : مرجع سبق ذكره ، ص 36 .

14- أمل حركة : دراسات فى علم اجتماع اللغة والأدب، دار المصطفى
للنشر والتوزيع، طنطا ، 2003 ، ص 37 .

15- المرجع نفسه ، ص 37 .

16- محمد على البدوى : مرجع سبق ذكره ، ص 132

17- جون فريفيل : مرجع سبق ذكره ، ص 45 .

18- طارق عبد المنعم : صورة البطل فى المسرح المصرى المعاصر فى
الربع الأخير من القرن العشرين، رسالة دكتوراه
غير منشورة، جامعة الإسكندرية، 2006، ص 7 .

19- Wellek,R and Warren, A., Theory Of Literature ," Penguin Books, 1956, P. 94

20- لاجوس اجرى :فن كتابة المسرحية، ترجمة: درينى خشبة، الهيئة
المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 200، ص 461 .

21- J .L . Styan, "Drama Stage And Audience ", Cambridge University Press, New York , 1975, P. 224, 225
22- بيير زيما : النقد الاجتماعى ، ترجمة : عايدة لطفى ، دار الفكر
للدراسات والنشر والتوزيع ، القاهرة ، 1991 ، ص 72 .

23- أحمد رشدى صالح : فنون الأدب الشعبى ، الهيئة المصرية العامة
للكتاب ، القاهرة، 1997 ، ص 13، 14 .

24- لويس عوض : اتجاهات النقد الأدبى ، (مجلة فصول) ، المجلد الأول ،
العدد الثانى، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ،
1981 ، ص 210 .

25- نبيل راغب : علم النقد الأدبى ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ،
القاهرة، 1997 ، ص 29 .

26- نبيل راغب : دراسة المضمون الاجتماعى فى مسرح سعد الدين وهبه ، (مجلة
المسرح ) ، العدد السادس ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ،
1988 ، ص 7 .

27- رجاء عيد :فلسفة الالتزام فى النقد الأدبى، منشأة المعارف،الإسكندرية،1986، ص11.

28- جى بوريللى : اجتماعية الأدب ، حول إشكالية الانعكاس ، ( مجلة فصول ) ، المجلد
الأول ، العدد الثانى ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ،
1981 ، ص 78.

29- Raymond Williams " Modern Tragedy", Chatto and Windus . 1966 , P . 87,88

30- محمد حمدى إبراهيم : نظرية الدراما الإغريقية ، الشركة المصرية العامة للنشر ـ
لونجمان ، الجيزة ، 1994 ، ص ص 155،174.

31- لويس عوض : المسرح العالمى من إسخيلوس إلى أرثر ميلر ، الهيئة المصرية
العامة للكتاب ، القاهرة ، 1993 ، ص ص 47، 48 .

32- عبد الرحمن صدقى : المسرح فى العصور الوسطى ، الهيئة المصرية العامة للتأليف
والنشر ، القاهرة ، 1969 ، ص ص 142، 147 .

33- أمين العيوطى : المسرح والمجتمع ، (مجلة المسرح ) ، العدد التاسع ، مسرح
الحكيم ، الثقافة والإرشاد القومى ، القاهرة ، 1964 ، ص 44 .

34- محمد على البدوى : مرجع سبق ذكره ، ص35 .

35- مارتن اسيلن : تشريح الدراما ، ترجمة : أسامة منزلجى ، ط1، دار الشروق للنشر
والتوزيع ، عمان ، 1987، ص ص 114، 115 .

36- محمد على البدوى : مرجع سبق ذكره ، ص ص 52، 53 .

37- جرجس الرشيدى : مقدمة مسرحية بيجماليون ، دار الكاتب العربى للطباعة والنشر
، القاهرة ، 1967 ، ص 20 .

38- المرجع نفسه ص 13 .

39- على الراعى : مقدمة مسرحية الشقيقات الثلاثة، الهيئة المصرية العامة للكتاب ،
القاهرة ، 2004، ص ص 13، 14 .

40- رفيق الصبان : المسرح الموجة ، (مجلة المسرح ) ، العدد السابع ، الهيئة
المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1981 ، ص 41 .

41- سعد أردش : المخرج فى المسرح المعاصر ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ،
القاهرة ، 1998 ، ص ص 195، 196 .

42- أمل حركة : دراسات فى علم اجتماع اللغة والأدب،مرجع سبق ذكره ، ص 226 .

43- رفيق الصبان : مرجع سبق ذكره ، ص 41 .

44- رانيا فتح الله : الاتجاه الملحمى فى مسرح ألفريد فرج ، الهيئة المصرية العامة
للكتاب ، القاهرة ، 1998 ، ص 11 .

45- جان بول سارتر : ما الأدب ، ترجمة : محمد غنيمى هلال ، الهيئة المصرية العامة
للكتاب ، القاهرة ، 2000 ص 83 .

46- رمضان الصباغ : فلسفة الفن عند سارتر وتأثير الماركسية عليها ، مطبعة
شاكوس، الإسكندرية ، 1994 ، ص 178.

47- لطفى فام : المسرح الفرنسى المعاصر ، الدار القومية للطباعة والنشر ،
القاهرة ، 1964، ص 168.

48- Diana Laurenson and Alan Swing wood, Sociology of Literature, New York, Schocken Books, 1972, P.244

49- إيليا حاوى : أوجين أونيل والمسرح الأمريكى المعاصر ، بيروت ، دار الكتاب
اللبنانى ، 1981، ص ص 182، 327.

50- محمد عبد الله الشفقى : فى المسرح ، الدار القومية للطباعة والنشر ، القاهرة ،
1966، ص ص 27، 28.

51- عبد الحليم البشلاوى : مقدمة مسرحية كلهم أبنائى ، الهيئة المصرية
العامة للكتاب، القاهرة ،2005 ، ص 16.

52- أبو الحسن سلام : المخرج المسرحى والقراءات المتعددة للنص ، دار الوفاء
لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية،2003، ص 70 .

53- المرجع نفسه ص 79.

54- فاطمة يوسف محمد : المسرح والسلطة فى مصر م ن1952 ـ1970 ، الهيئة
المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ،2006 ، ص 80 .

55- بيلار ليرولا ديلغادو : الأيديولوجية الاجتماعية والسياسية فى أعمال يوسف
إدريس، (مجلة المسرح ) ، العدد 92، 93 ،الهيئة
المصرية العامة للكتاب، القاهرة،1996، ص 120.

56- صبرى عبد الحافظ : الأدب والمجتمع ، مدخل إلى علم الاجتماع الأدبى ، (مجلة
فصول ) المجلد الأول ، العدد الثانى ، الهيئة المصرية العامة
للكتاب ، القاهرة ،1981 ، ص 69.

57- صلاح فضل : مرجع سبق ذكره ، ص 29.

58- هربرت ريد : الدور الاجتماعى للفن ، ( مجلة آفاق عربية ) ، العدد الرابع ،
مؤسسة رمزى للطباعة ، بغداد ،1976، ص 53.

59- فاروق عبد الوهاب : دراسات فى المسرح المصرى ، الهيئة المصرية العامة
للكتاب، القاهرة ،1992، ص 5.

60- رشاد رشدى : الواقع الدرامى فى المسرح المصرى ، ( مجلة المسرح ) ، العدد
الثالث ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة ،1964، ص5.

61- إرنست فيشر : ضرورة الفن ، ترجمة : أسعد حليم ، الهيئة المصرية العامة
للكتاب، القاهرة ،1998 ، ص202.

62- أمل حركة : دراسات فى علم اجتماع اللغة والأدب ،مرجع سبق ذكره ، ص 47.

63- Tavis Bogard and William I. Oliver, Modern Drama, New York, Oxford University Press, P.4.

64- لطفى فام : مرجع سبق ذكره ، ص 254.

65- محمد غنيمى هلال : النقد الأدبى الحديث ، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع،
القاهرة ، ، ص 333.

66- رشاد رشدى : اتجاه النقد الموضوعى ، (مجلة الفكر المعاصر ) ، العدد الثانى
والعشرون، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، 1966،
ص23.

67- محمد عبد المنعم خفاجى : مدارس النقد الأدبى الحديث ، الدار المصرية اللبنانية ،
لبنان ، 1995، ص 179.

68- إبراهيم حمادة : معجم المصطلحات الدرامية المسرحية ، دار المعارف ، القاهرة ،
1985، ص 180.

69- نهاد صليحة : المدارس المسرحية المعاصرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب،
القاهرة ،1986، ص16.

70- شارل لالو : مبادئ علم الاجتماع "الاستطيقا" ترجمة : مصطفى ماهر ، دار
إحياء الكتب العربية ، القاهرة ، 1959 ، ص 67.

71- جون فريفيل : مرجع سبق ذكره ، ص 13.

72- نهاد صليحة :المدارس المسرحية المعاصرة، مرجع سبق ذكره، ص17، 18.

73- ماهر شفيق فريد : سالومى ، ( مجلة المسرح ) العدد السادس والتسعون ، الهيئة
المصرية العامة للكتاب، القاهرة ،1996، ص 86.

74- محمد غنيمى هلال : مرجع سبق ذكره ، ص ص 304، 333 .

75- حسين الحاج حسن : مرجع سبق ذكره ، ص ص 254، 255.

76- روبين جورج كولنجوود: مبادئ الفن ، ترجمة : أحمد محمد محمود ، الهيئة
المصرية العامة للكتاب، القاهرة ، 2002 ، ص 95.

77- جان بول سارتر : مرجع سبق ذكره ، ص 92.

78- رمضان الصباغ : مرجع سبق ذكره ، ص 223.

79- Gilbert Murray , The Rise Of Greek Epic, Oxford University Press, London , 1934, P.187.