الخميس، 17 مارس 2011

خدعوك فقالوا...لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة





بقلم ابراهيم حجاج مدرس مساعد بقسم الدراسات المسرحية بكلية الآداب جامعة الآسكندرية
بسم الله الرحمن الرحيم{ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } [ التوبة 32-33 ] . صدق الله العظيم يقول "ابن خلدون" فى مقدمته الشهيرة أن "العرب أصعب الأمم انقياداً بعضهم لبعض للغلظة والأنفة ، وبعد الهمة ، والمنافسة فى الرياسة ، فقلما تجتمع أهواؤهم، ومن أجل ذلك لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبؤه أو أثر من دين على الجملة بهذه المقولة الصريحة يضع ابن خلدون يده على رأس الداء فى نظام الحكم العربى الذى لا يتم إلا بصبغة دينية على حد قوله ، ومن ثم اختلطت أوراق الدين بأوراق السلطة طوال تاريخنا، وأصدق مثال على هذا رأى العديد من المؤرخين فى أن الدولة الفاطمية نشأت نشأة غريبة بتونس ، واستطاع مؤسسها "المهدى" أن يقنع مريديه بأنها دولة المهدى المنتظر الذى جاء من نسل السيدة فاطمة الزهراء ، وإنه مهدى آخر الزمان وانطلاقا من هذا الفكر تشبث المغرضون بالدعوة ـ غير المنطقية ـ التى تنادى بضرورة فصل الدين عن السياسة، والسياسة عن الدين، حيث ترى فى هذا الفصل حلاً للصراعات القائمة حول السلطة على مر التاريخ. والدعوة بهذا الشكل بمثابة عملة واحدة لوجهين أو بمعنى أدق سلاح ذو حدين ، حده الأول سلاح لمن يتربص باسلامنا الحنيف ويتمنى له الانزواء وهذا لم ولن يحدث رغم كيد الحاقدين مصداقا لقوله سبحانه وتعالى - : { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } [ التوبة 32-33 ] فالحياة سياسة والسياسة حياة وليس من طبيعة الدين أن ينفصل عن الحياة ، وان يكون فى ركن ضئيل منها بينما تسلم سائر الأركان الأخرى لآلهة مزيفة يضعون لها المناهج دون الرجوع إلى شرع الله ، فليس من طبيعة الدين أن يشرع طريقاً للآخرة لا يمر بالحياة الدنيا قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً [المائدة:48] ولقد رأينا المسلمين في عصورهم الذهبية حين ارتبطت سياستهم بالدِّين، فتحوا الفتوح، وانتصروا على الإمبراطوريات الكبرى، وأقاموا دولة العدل والإحسان، ثم شادوا حضارة العلم والإيمان، مستظلين براية القرآن.ومن هنا لا يمكن لعاقل أن ينكر – أهمية الاصلاح الدينى ، وضرورته فى مجتمعات أدمنت الجمود والتقليد الأعمى لسلبيات الثقافات الغربية.ان وجهة النظر المغلوطة للدعوة هى الوجه القبيح لها، وحدها المسموم الموجه من الملحدين، أما حدها الثانى الذى نقره ونريد توضيحه فى مقالنا هذا، فهو رفضها استغلال الدين بهدف تحقيق مطامع شخصية وسياسية .فيجب عدم الخلط بين فصل الدين عن السياسة ، وفصل الدين عن المطامع الشخصية، بمعنى وجوب الترفع بالدين عن المهاترات السياسية ، وان نحرم استغلاله كقناع تتستر خلفه مطامع سلطوية، وما عدا ذلك فإذا دخل الدين الحق فى السياسة، دخل دخول الموجه للخير، الهادى الى الرشد، المبين للحق، العاصم من الضلال، فهو لايرضى عن ظلم أو زيف ولا يقر تسلط الاقوياء الطغاة على المستضعفين. والدِّين إذا دخل في السياسة: هداها إلى الغايات العليا للحياة ، وتزكية النفس، وسمو الروح، واستقامة الخُلق. وتحقيق مقاصد الله من خلق الإنسان: عبادة الله، وخلافته في الأرض، وعمارتها بالحق والعدل، بالإضافة إلى ترابط الأسرة، وتكافل المجتمع، وتماسك الأمة، وعدالة الدولة، وتعارف البشرية.وقد تناول المسرح تلك القضية الخطيرة فى العديد من الأعمال الدرامية فقد تناولها " محمد أبو العلا السلامونى" صراحة فى نصه "أمير الحشاشين" وفيها تناول قضية الاستيلاء على السلطة من خلال رفع شعارات دينية "ديما جوجية" لتحقيق مصالح شخصية.كما تناولها "توفيق الحكيم" ضمنيا فى نصه "مجلس العدل" وفيه ينتقد "الحكيم" تصرفات القاضى ومبادئ العدالة التى يطبقها حسب وجهة نظره، ومصالحه الشخصية.حيث تبدأ المسرحية بمشكلة بين صاحب فرن وصاحبة أوزة، حيث يتهم الأخير الفران بسرقة أوزته ، ويحتكم للقاضى
ص الإوزة : أنا صاحب الإوزة ؟
القاضي : هل كانت لك إوزة ؟
ص الإوزة : نعم يا سيدي القاضي . وأخذها مني هذا الفران وهي في الصينية وادخلهافي فرنه أمامي وعندما طالبته بها رفض ردها .
القاضي : ماذا قال .
ص الإوزة : قال شيئا لا يدخل في العقل ؟ حجة مزعومة للاستيلاء على إوزتي .
القاضي : لا تتفلسف ! ... قل نـَصّ كلامه
ص الإوزة : قال أنها طارت . أتصدقَ ذلك يا سيدي القاضي ؟
القاضي : ألا تصدق أنت ؟
ص الإوزة : لا طبعا.
 القاضي : وهل أنت مؤمن بالله ؟
ص الإوزة : مؤمن بالطبع .
القاضي : ألا تؤمن بقدرته ؟
ص الإوزة :أؤمن طبعا
القاضي : ألا يستطيع الله أن يحيي العظام وهي رميم ؟
ص الإوزة : يستطيع . ولكن...
 القاضي : كفى لا يوجد (لكن)إما انك مؤمن بالله وقدرته . وإما انك كافر حلت عليك لعنته .
ص الإوزة : مؤمن بالله وقدرته .
القاضي : أعترف إذا انه يستطيع أن يجعل إوزتك تطير من الفرن.
 ص الإوزة : يستطيع . ولكن ..
القاضي : اسمع .. هي كلمة واحدة ..هل طارت الإوزة من الفرن بقدرة الله أم لك تطر ؟
ص الإوزة : طارت
القاضي : انتهينا.

      هنا يسخر "الحكيم" من هؤلاء الذين يستغلون الدين لتحقيق مصالحهم ، وليس معنى ذلك أنه يقر فصل الدين عن السياسة أو الحياة ، ذلك الفصل التعسفى الذى يبتغيه الملحدون ويتأكد موقف "الحكيم" من قضية الدين والحياة ـ بعموميتها ـ فى رأيه حول قضية أكثر خصوصية ألا وهى قضية الربط بين الفن والدين حين قال " هناك صلة فى اعتقادى بين رجل الفن ورجل الدين ذلك أن الدين والفن كلاهما يضيء من مشكاة واحدة ، هى ذلك القبس العلوى الذى يملأ قلب الإنسان بالراحة والصفاء والإيمان وان مصدر الجمال فى الفن هو ذلك الشعور بالسمو الذى يغمر الإنسان عند اتصاله بالأثر الفنى ، ومن أجل هذا كان لابد أن يكون مثل الدين قائماً على قواعد الأخلاق."وهو ما ينطبق على فكره فى هذه المسرحية التى تدعو الى ضرورة الترفع بالدين عن اية مصالح شخصية.لأن الدين أعلى وأسمى من أية مهاترات، رافضا فكرة فصل الدين عن السياسة تلك الفكرة التى تتبع فى حقيقتها نظرية مكيا فللي[1]، التي تفصل السياسة عن الأخلاق، وترى أن "الغاية تبرِّر الوسيلة" وهي النظرية التي يبرِّر بها الطغاة والمستبدون مطالبهم وجرائمهم ضد شعوبهم، وخصوصا المعارضين لهم، فلا يبالون بضرب الأعناق، وقطع الأرزاق، وتضييق الخناق، بدعوى الحفاظ على أمن الدولة، واستقرار الأوضاع ... إلى آخر المبرِّرات المعروفة.ولكن هل هذه هي السياسة التي يطمح إليها البشر؟ والتي يصلح بها البشر؟ أرجو أن لا يفهم كلامى على أنه دعاية للاخوان أو الجماعة أو أى جبهة دينية فالدين غير قاصر على هؤلاء. ما رأيكم فى دولة يحكمها رئيس يعمل بقوله تعالى (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) 
فلم يقل الله ان مكناهم في الأرض نشروا الظلم والفساد وغلبوا المصلحة الشخصية فاغتالوا أحلام شعوبهم ونهبوا مقدراته أو حرقوا الذين يكفرون بالله الواحد الاحد أو برسوله الكريم إن البشر لا يصلح لهم إلا سياسة تضبطها قِيَم الدِّين وقواعد الأخلاق، وتلتزم بمعايير الخير والشر، وموازين الحق والباطل بعيدا عن المغالاة و التعصب الدينى أو التفريط المبتـذل، فديننا دين الوسطية والاعتدال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق